الكاتب
ناصر النوبى .. ثورى بدرجة فنان
التقيته مرات ومرات على مقهى زهرة البستان ، واستمعت لغنائه وفرقته الجميزة سواء فى حفلات خاصة أو عامة أو عبر شاشة التلفاز ، لكننى عرفته عن قرب حين قضينا معا أسبوعا من الفن ضمن فعاليات مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية . هناك عرفت أنه ليس فقط مجرد موسيقى موهوب، أو باحث جاد فى عناصر الموسيقى العربية وعلاقاتها بالموسيقات المختلفة .. و لا فقط مجدد يمزج بين الآلات التراثية والمعاصرة، لكننى اكتشفته ناشطا اجتماعيا، ومثقفا عضويا يؤمن بأن الفن للناس وبالناس، وبأن الغناء إذ لم يستفز فى الإنسان أجمل مافيه فلا يعول عليه.
فى المهرجان، مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، فاجأنا ناصر بإقناع فرقة ( داجار ابيكان ) من ساحل العاج والتى تستخدم الطبول الإفريقية فى إثارة الفرح والبهجة، بأن عرض عليهم التعاون. وسريعا ما وافقوا، وسريعا ما اتخذوا من بهو الفندق مكانا للتدريب، وسريعا ما خرجوا علينا معا بتوليفة موسيقية مزجت بين الجيتار الذى يجيد العزف عليه وبين المزمار الصعيدى والطبول الإفريقية ووسطهم جميعا كانت رفيقة دربه الفنانة يم تشدو بغناء كلماته المنحوتة من صخر تراث مصرى يمتد بامتداد النيل.
وفى خطوة تشير أكثر لمعنى أن تكون فنانا وناشطا اجتماعيا فى آن، دعانا ناصر النوبى وعدد غير قليل من ضيوف المهرجان الأفارقة إلى قريته المريس، مصطحبا فرقة (داجار أبيكان ) ليعرض على أهله وناسه فنا مختلفا، ويعرٌف الضيوف على أهله وناسه كمقطع شعبى من كل مصرى حاولت فضائيات الغرب تشويهه وإلصاق تهم التخلف والإرهاب به دون حق.
هناك فى المريس، فاجأنا ناصر أنه قد أعد بالاتفاق مع شباب القرية وأعمدتها ديوان العائلة ليكون مسرحا تعزف عليه الفرقة الإفريقية على طبولها ويستمع لها جمهور المريس من رجال ونساء وأطفال فى تجمع ينفى كل الأخطاء الشائعة عن نظرة الجنوب للفن وللمرأة.
بل عرفت فيما بعد أنه بذل وحده جهدا كبيرا فى إقناع الأمن بأن انتقال ( الأجانب ) إلى قريته سيكون مؤمنا بناس القرية، وتحمل وحده مسؤلية أن نذهب ونعود فى حراسة عربة شرطة وحيدة استمتع أفرادها بالرحلة كما استمتعنا.
ناصر النوبى نموذج للفنان كما يجب أن يكون، غير ساع لشهرة تأتى بالتدليس، ورافض ومقاوم لكل محاولات بيع تراث بلاده الغنائى لتجار لا يرون فى التراث إلا مجرد حلية يخدعون بها الزائرين ..... فشكرا ناصر النوبى، وشكرا يم .. وتحية بطول النيل لأهل المريس الذين رفعوا رؤوسنا فخرا أمام ضيوف المهرجان.
التعليقات