كيف لنا أن نضع حدًا للتعنت الإسرائيلي؟ وعملية التهويد المستمرة والمتسارعة في فلسطين التاريخية؟ والمرض السرطاني المتفشي (الاستيطان) في القدس والذي تسارع في الازدياد في الأيام القليلة الماضية؟

هذا التساؤلات التي يجب أن نبحث لها عن إجابة، خاصة بعد تصريحات بنيامين نتنياهو - رئيس الوزراء الإسرائيلي - على القناة الثانية الإسرائيلية أنه لا يهتم أبدًا بما يقوله العالم، وسيواصل البناء في القدس الشرقية باعتبارها جزءًا من عاصمة دولة إسرائيل - حسب زعمه -. على الرغم من كل الإدانات من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وأكد على أنه لا يهمه الأمم المتحدة وأن الإسرائيليين يعيشوا في دولة يهودية وعاصمتها القدس، كما أن حائط المبكى ليس منطقة محتلة، وأن البناء في القدس حق مشروع للإسرائيليين، وأنهم سيرسلون في يوم الانتخابات الواقع في 22 يناير 2013، رسالة على مستوى المجتمع الدولي بذلك، موضحًا أن القدس عاصمة الدولة اليهودية منذ 3 آلاف عام.

ضاربًا بعرض الحائط تهديد كل من بريطانيا وفرنسا بسحب سفيريهما من إسرائيل في حال تنفيذ مشروع الحكومة الإسرائيلية الذي صدر بقرار في 20 نوفمبرالماضي، بإقامة 3000 وحدة استيطانية، وأعقب ذلك إقرار مجموعة خطط لبناء ما يزيد عن 6000 وحدة استيطانية وجرى معظمها في القدس المحتلة، هذا المشروع في حال تنفيذه سيحول مستقبلاً دون إقامة دولة فلسطين متصلة.

وكأن على الرغم من صغر حجم خطوة اكتساب فلسطين صفة مراقب كدولة غير عضو في الأمم المتحدة على الصعيد الدولي، إلا إنه على السلطة الفلسطينية أن تتجرع مرارة إصرارها على تلك الخطوة وعدم استجابتها للضغوط الإسرائيلية من جهة والأمريكية من جهة أخرى.

ومن المتعارف عليه أن اعتراف الأمم المتحدة بفلسطين كمراقب حولت الأرض الفلسطينية من أرض متنازع عليها، كما يزعم الإسرائيليون، إلى أراضي دولة تحت الاحتلال تنطبق عليها اتفاقية جنيف الرابعة التي تمنع المحتل من إحداث تغيير على واقع الدولة المحتلة، لكن كيف لنا أن نستخدم اتفاقية جنيف الرابعة مع إقرار نتنياهو للاستيطان المتسارع يومًا بعد يوم؟؟

ومع أن العالم أجمع يرفض الاستيطان مؤكدًا عدم شرعيته، كما أوضح الرئيس محمود عباس في كلمته بالدورة الخامسة للمجلس الاستشاري لحركة فتح في رام الله، مشيرًا إلى أن القرارات الدولية تؤكد أن الاستيطان يشكل عقبة رئيسية أمام تحقيق السلام في أرض السلام، لذلك يجب وقف الاستيطان بشكل كامل في الأراضي الفلسطينية، خصوصاً في مدينة القدس المحتلة من أجل استئناف مفاوضات جادة وحقيقية في قضايا الوضع النهائي للوصول إلى السلام الشامل والعادل.

إلا إن العالم أجمع لا يُحرك ساكنًا إِزاء المرض السرطاني المتفشي في القدس بصفة خاصة، والأراضي المحتلة بصفة عامة، ولا نرى منه سوى التعاطف والإدانات والبيانات، والتي لا تعتبر مجدية وغير كافية للتصدي للهجمة الشرسة التي تشنها حكومة الاحتلال ليس فقط على الأراضي الفلسطينية بل تقويد القيادة الفلسطينية من خلال الاستيطان، والحصار المستمر، وحجز أموال الشعب الفلسطيني، لذلك سيكون من الأجدى نفعًا تفعيل الخيارات البديلة كافة، اللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية، وتقديم دعوى ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب من خلال قيامها بإسكان مستوطنين في أرض الفلسطينيين المعترف بها من المنظمة الدولية. وإضافة إلى ذلك يمكن إلغاء الاتفاقات الاقتصادية والأمنية وسحب الاعتراف بإسرائيل، وإشعال المقاومة الشعبية بحيث لا تكون سلمية فقط وإنما مسلحة لمواجهة المحتل وهذا حق من حقوق الشعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال، فالمضي قدمًا وبشكل فوري باستخدام تلك الخيارات التي طالما تحدثت عنها القيادة الفلسطينية هو الحل الأمثل في تلك المرحلة.

ولا يتأتى ذلك إلا بدعم عربي سياسي واقتصادي فمن خلال الدعم السياسي سنصل إلى ما نصبو إليه وهو التأثير على المجتمع الدولي، ومن خلال الدعم الاقتصادي سيواجه الشعب الفلسطيني الضغوط الإسرائيلية والأمريكية المتمثلة في محاولة ابتزازه وذُله من خلال لقمة العيش، وبالفعل بدأت أولى الدول العربية في دعم الشعب الفلسطيني، حيث حولت الجزائر 26 مليون دولار، إلى السلطة الفلسطينية إسهامًا منها في تجاوز الأزمة المالية التي تمر بها فلسطين ويعتبر هذا المبلغ يقارب ربع المبلغ الذي تعهدت به الجامعة العربية لدعم الشعب الفلسطيني شهريًا ليصح بذلك شبكة أمان أمام الضغوطات الإسرائيلية.

ولا يجب أن نتوانى في مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل للإفراج عن الأموال الفلسطينية لتتمكن الحكومة الفلسطينية من القيام بواجباتها تجاه الشعب الفلسطيني، وعدم مشاركة المجتمع الدولي في عقاب الشعب الفلسطيني ردًا على توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة.

بالإضافة إلى المطالبة بتعزيز مظاهر الاعتراف الدولي بدولة فلسطين المراقبة، وتفعيل الطلب المقدم إلى الأمم المتحدة لعضوية فلسطين في منظمات حقوق الإنسان، خصوصاً اتفاقية جنيف الرابعة.

خاصة بعد أن أوضحت مديرة قسم مراقبة الاستيطان في حركة "السلام الآن" الإسرائيلية المناهضة للاستيطان "حاجيت عُفران" إن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تقوض بأيديها فرصة حل الدولتين لشعبين وبذلك تضر اهتمام إسرائيل بالسلام، وأضافت أن توسيع البناء الاستيطاني غير مسبوق منذ ولاية حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق الراحل إسحاق شامير التي تولت إدارة شؤون البلاد في الفترة بين عامي 1986 و1992. وخلصت إلى القول "هذا يبعث برسالة مفادها أن إسرائيل لا تفكر في حل الدولتين، ما يعني بأنه سيكون من الأكثر صعوبة تقسيم الأرض في أي اتفاق سلام".

ولا يكفي إذن أن تُعرب الحكومة الإسبانية عن أسفها إزاء القرار الذي اتخذته إسرائيل بمواصلة النشاط الاستيطاني في القدس الشرقية. ودعوتها لسلطات الاحتلال "لإعادة النظر" في القرار.  موضحة أن مثل هذا القرار من شأنه أن يُعرّض إقامة دولة فلسطين في المستقبل للخطر، مشيرة إلى أن استئناف مفاوضات السلام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني يمثل الطريق الوحيد للتوصل لحل عادل ونهائي يرتكز على إقامة دولة فلسطينية قادرة على العيش في سلام وأمن مع إسرائيل.

ولا أن تُصدر دول الاتحاد الاوروبي بيانًا تعارض فيه مشروع بناء وحدات استيطانية جديدة في الضفة الغربية موضحة أن ذلك يهدد بفصل القدس الشرقية عن بقية الضفة الغربية، ويترتب عليه نزوح قسري للسكان المدنيين، ولا قلق كل من روسيا والصين بسبب الاستيطان مطالبة بإلغائها.

وعلى صعيد أخر، نشرت صحيفة معاريف استطلاع للرأي على مجموعة من الإسرائيليين أفادوا بأن ثلثي الإسرائيليين يعارضون إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة الغربية وأن 66٪ من المستطلعة آراؤهم لا يدعمون إقامة دولة مماثلة، بينما أعرب 11٪ منهم عن دعمهم الفكرة، وأن 51 % من المشاركين في الاستطلاع سيدعمون بناء وحدات سكنية استيطانية في المنطقة "إي-1" الواقعة بين القدس الشرقية المحتلة ومستوطنة معاليه أدوميم. وأعرب 9٪ فقط عن معارضتهم لذلك، بينما بقي 40٪ بدون رأي محدد.

وبذلك فإن المجتمع الإسرائيلي يدعم توجه حكومته في نهجها على كافة الأصعدة سواء كان سياسيًا أو استراتيجيًا، بالرغم من الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمجتمع الإسرائيلي بحسب زعمهم، والتي هولها عبر وسائل الإعلام من جراء الحرب الأخيرة على غزة في نوفمبر الماضي، والمبلغ الطائل الذي أُنفق على تلك الحرب فحسب ما صرح به وزير الجبهة الداخلية في إسرائيل أن إطلاق الصواريخ الاعتراضية من منظومة القبة الحديدية خلال عملية عامود السحاب تكلف 100 مليون شيكل (نحو 27 مليون دولار).

وأمام تلك المستجدات على الساحة السياسية داخل المجتمع الإسرائيلي، تتبنى القيادة الفلسطينية مبادرة، تبنتها أيضًا الجامعة العربية سيتم طرحها في يناير الحالي على الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والصين واللجنة الرباعية، وتقوم على إطلاق مفاوضات لمدة ستة أشهر، يتوقف فيها البناء الاستيطاني، على أن تفضي إلى اتفاق.

وكأن القيادة الفلسطينية لا تريد أن تلجأ إلى تفعيل الخيارات البديلة وأن الحديث عن تلك الخيارات سيبقى للأزل حبيس جمل رنانة من القيادة الفلسطينية ولن تنفذ على أرض الواقع.

والغريب أن القادة الفلسطينيين مقتنعون بأن التلويح باستخدام الخيارات البديلة سيجدي مع الإسرائيليين غير آبهين أنهم بتلك الطريقة يخسرون دعم الشعب الفلسطيني يومًا بعد يوم وأن نهج القيادة لو لم يتغير ليواكب التغيرات الحاصلة في الوطن العربي ستخسر القيادة الفلسطينية دعم الكثير من شعوب الوطن العربي.

ومادام الحال سيقضي بنا بالموت في جميع الأحوال أليس من الأجدى أن نموت فرسان أبطال على الأحصنة، بدلاً من أن نموت هاربين من صهيل حصان العدو؟؟!!

ولنلجأ للشارع الفلسطيني لأنه الفيصل في تحديد اتجاه البوصلة وهو الوحيد الذي له الحق في تقرير مصيره، ولنتعلم من عدونا الذي لا يكل ولا يمل من معرفة رأي رعاياه من خلال استطلاعات الرأي المستمرة والحديثة، فالرهان هنا سيكون على الشارع الفلسطيني وأجزم وكلي ثقة بأنه سيفضل الموت واقفًا عن الموت راكعًا، وأن ذُله بلقمة العيش لن يجدي نفعًا، فالشعب الذي عانى وتجرع مرارة الاحتلال على مر العصور السابقة، سيبقى مضحيًا من أجل وطنه وأرضه غير آبه بما يحمله له المستقبل فلا أحد يموت من الجوع لكن قد يموت من الذل والمهانة.

تحياتي - أماني الأسطل


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية