أقدم لأبنائي وصية، وهي أعظم هديَّة، وإنما العمل بالنية اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، فمن فعل ذلك فإن الله ظهيره ونصيره. وكلما سمعتم حديثاً لصاحب الشفاعة، فقولوا: سمعاً وطاعة. وأوصيكم ببر الآباء والأمهات، وأنهاكم عن منعٍ وهات، وتضييع الصلوات، واتباع الشهوات. والله الله في تدبر المثاني، وهجر الأغاني، وترك الأماني. واعلموا أنها قامت عليكم الحجة، وبانت المحجة. وأوصيكم بتوقير شعائر الدين، فإنها تقوى رب العالمين. واستعدوا للرحيل، إلى الملك الجليل، فإنكم قادمون إليه عما قليل. وإذا سمعتم الأذان، فأجيبوا داعي الرحمن، فليس بعد الأذان أعمال ولا أشغال، بل ذهاب إلى بيت ذي الجلال. وقد دعيتم فأجيبوا الداعي، بقلب واع، فإني أخشى على من تهاون بتكبيرة الإحرام، مع الإمام، أن يحرم التوفيق على الدوام، وأن لا يبلغه الله المرام. واعلم أن من صحب الفسّاق، ونقض الميثاق، ابتلاه الله بالنفاق. ولا تقولوا نحن في عصر الصبا، وكم من سيف نبا، وجَواد كبا، فهذا كلام من غره بالله الغرور، حتى فاجأته قاصمة الظهور، وطرح في القبور، وتذكروا ليلة صبحها يوم القيامة، فما أكثر الأسف فيها والندامة. وتذكروا أول ليلة في القبر، فلا إله إلا الله ما أعظمه من أمر، ليلة ليس فيها جليس ولا أنيس، يرتجف لها القلب، ويذهب من هولها اللب، ليس معكم فيها صديق ولا رفيق. تخلى عنكم الأحباب وترككم الأصحاب، وجردوكم من الثياب، ووسدوكم التراب. الأموال بعدكم قسمت، والبيوت سكنت، والزوجات نكحت، فأين قلوبكم والعقول، ما لكم في ذهول، وأنتم في نقول. فارقعوا بالاستغفار ما مزقته أيادي الذنوب الكبار. واغسلوا بدمع العيون غبار الذنوب، وفرّوا إلى علام القلوب، وعليكم بالسكوت، ولزوم البيوت، والرضا بالقوت، فإنه كاف لمن سيموت. والحرص على تكبيرة الإحرام، وسلامة الصدور من الآثام، وإطابة الطعام، وحسن الخلق مع الأنام، عربون صادق لدار السلام. وطهروا القلوب من الإحن، والزموا السنن، وفروا من الفتن، تجدوا عونه عز وجل وقت المحن، مع إسباله عليكم ثوب المنن. وأشرف تاج تاج الديانة، وثوب الصيانة، والصدق والأمانة، والوقار والرزانة. وثوب الرياء ثوب مخرق، ورداء الكبر رداء ممزق. والعمل بالسُّـنَّة، أقرب طرق إلى الجنة، ومرافقة الأشرار ومصاحبة الفجار، هي الخسار والبوار، وهم الدعاة إلى النار، ومن ألان كلامه، ووصل أرحامه، وبذل طعامه، ونشر سلامه، أكرم الله في الجنة مقامه. وويل لمن كان خصمه لسانه، وأشهد على نفسه إخوانه، واستشار في أمره شيطانه وأرخص للشهوات إيمانه. وخلوة بكتاب، ودمعة في محراب، وتواضع للأصحاب، خير من القصور والقباب. ومن أقبح ممن ناداه ربه إلى المسجد، فتبلد وتردد، ومن عود لسانه الذكر، وقلبه الشكر، وعقله الفكر، وبدنه الصبر، نال أعظم الأجر، وحط عنه الوزر. وكل لباس يبلى إلا لباس التقوى، ومن كان في دنياه شقياً، بمخالفة مولاه فهو في الآخرة أشقى، والمأسور من أسره هواه، والمخذول من عصى مولاه، والمفلس من خاب مسعاه. وعليكم يا أبنائي بالصبر على المصائب، والتجلد للنوائب، ومجانبة الغضب، والإجمال في الطلب، والإخلاص في الطاعة، والزهد والقناعة. واعلموا أنه ليس معكم في شدائد الزمان، غير الواحد الديَّان، فلا يغرركم كلام الإخوان، فإن الناس في وقت العافية أعوان، واستنطقوا الذكر الحكيم، واتبعوا الرسول الكريم، والزموا الصراط المستقيم. واعلموا أن للذنوب كَفّارات، وأن الحسنات يذهبن السيئات، وأنه لا أنفع من الصالحات، ولا أضر من الموبقات. وللذنب من الله طالب، وعلى الضمائر مراقب، وللأعمال محاسب. واعلموا أن شرفكم صدق اللسان، ونسبكم الإحسان، وكنـزكم الإيمان. ولن ينقذكم من النار، إلا طاعة العزيز الغفار، واتباع المختار. واطلبوا الكفاف، واستتروا بالعفاف، وخذوا وأعطوا الإنصاف، فإن الحق كافٍ واف. واسلكوا من الطرق الوسط، ودعوا الغلو والشطط، والتهور والغلط. واسمعوا مني نصيحة: اعلموا أن الدنيا لا تساوي تسبيحة، ولو كانت مليحة، لجعلها الله لأوليائه مريحة. وصونوا أنفسكم من سؤال الناس، واستغنوا عما في أيديهم باليأس. واطلبوا العلم فإنه أجلّ المطالب، وأعظم المواهب، وهو أرفع من المناصب، وأكرم من كل المراتب. وزينته العمل، وخوف الأجل، والاعتصام بما نزل. والداء العضال معاداة الرجال، ومن سالم الناس سلم، ومن صمت غنم. والناس لا يطلبون منكم الأرزاق، وإنما يطلبون جميل الأخلاق. وأوصيكم بالأذكار، في طرفي النهار، فإنها عبادة الأبرار. ولا تهجروا تلاوة القرآن كل يوم؛ فإنه دواء الهموم والغموم. وركعتان في السحر خير مما طلعت عليه الشمس والقمر، ووقروا الكبير، وارحموا الصغير. واحذروا أن يكون لسان أحدكم كالمقراض في الأعراض، فإن هذا من ضعف البصيرة، وخبث السيرة، ورافقوا أهل الصلاح، وأحبوا أصحاب الفلاح، ولا تستصغروا شيئًا من المعاصي، وراقبوا من يأخذ بالنواصي. وقسوة القلب يذيبها الندم، والدمع المنسجم، والأسف من الذنب المنصرم. ولا تتنعموا تنعم المترفين، ولا تزروا بأنفسكم فعل الشحّاذين، فإن المبالغة في الزينة للنساء، والوقاحة للإماء، والشره للسفهاء، فكونوا أنتم العلماء الحكماء. وأدمنوا الاستغفار كل حين، فإنه مفتاح رضى رب العالمين، وهو قوة وتمكين، وعلى كل كربة معين. ومن لم يراقب الحسيب، ويردعه الشيب، ويخاف العيب، فليس له في الفضيلة نصيب. وويل لمن غرته دنياه، وخدعه مناه، وصرعه هواه. وطوبى لعبد إذا أنعم عليه شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر. وعليكم بتوقير الصحابة، وحب القرابة، مع لزوم مذهب السلف، فهم أعلم وأحكم من الخلف. حفظكم الله بالدين، وعصمكم من نزغات الشياطين.


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية