الفوز الساحق الذي حققه الإسلاميون في الجولة الأولي من الإنتخابات البرلمانية المصرية، لم يكن مفاجأة كما يحاول البعض أن يصوره، ولكنه كان متوقعا، ربما ليس بهذه الدرجة ، لكن الكثيرون كانوا يؤمنون بأن الإسلاميين سوف تكون لهم الغلبة، ورغم ذلك لم يفعلوا شيئا سوي النحيب، وتلفيق الاتهامات، في حين أن الأولي بهم أن يعترفوا بفشلهم حتي يتمكنوا من تصحيحه قبل فوات الأوان، فما مضي جولة من ثلاث جولات، وليس بالضرورة من ربح الأولي يربح الثانية والثالثة، فالمشوار طويل والأكثر اصرارا هو من ستكون له الغلبة في النهاية.

 أنا شخصيا كنت علي يقين بأن هذا سيحدث، وذلك لسببين من وجهة نظري "الأول" أن الفساد الذي شهدته مصر في السنوات الماضية وحده كفيلا بأن يدفع الناخب إلي التصويت لمن يتصور أن لديه من الضمير ما يمنعه من أن ينهج نهج سابقيه من السرقة والنهب وإضاعة الحقوق، أما السبب "الثاني" فلأن الإسلاميون وعلي رأسهم الإخوان اجتهدوا أكثر من غيرهم، توغلوا في الشارع واختلطوا بالناس وطوال تاريخهم كانوا الأقرب رغم الإضطهاد وعدم الاعتراف بهم، ربما كانوا يؤمنون أن هذه اللحظة آتية لا محالة فاستعدولها، فاستحقوا ما نالوا.

لا أريد أن أسبق الأحداث، كما يفعل البعض ونعلن التنصيب، فما بقي كفيل بأن يغير النتائج وان كنت أؤمن أيضا أن من سيكون له الغلبة، لن يكون الأسعد حالا، فالمسئولية أكبر كثيرا مما يتصوره البعض، ومن سيفز يجب أن يعرف أنه تسابق ليصل إلي حقل من الألغام، فمشاكل البلد أكثر من أن تحصي وسوف يتحملها الحزب الفائز مرغما، وقد يكون فوزه في هذه المرة سببا في إقصائه مرات كثيرة قادمة.

بالتأكيد لا أرجو هذا، فكلي أمل أن تخرج مصر من كبوتها، وتضع قدمها علي أول طريق الرقي والازدهار وهي تستحق ذلك بكل تأكيد، ولكن لا تنال المطالب بالتمني، فلابد من خطة، ولابد من تكاتف جميع القوي بما فيهم الشعب المصري نفسه، ويبدو لي أن هذا صعب جدا، فالثورة التي حررت مصر من "الفراعين" فتتها أيضا، لا لشيء إلا بسبب المطامع الشخصية، الكل يريد،الشعب يريد حياة رغدة وهذا حقه ولكن لأحد يسأل متي وكيف يجب أن يتحقق ذلك؟، وكل حزب وجبهة تريد أن تكون في الصدارة، لكن لاتسأل نفسها مسبقا ماذا قدمت وماذا يجب عليها أن تقدم لتنال الصدارة ؟

الكل في مصر يريد، الشعب يريد، الأحزاب تريد، التحريريريد، العسكري يريد، الكل يريد ولكن من أن ستأتي الأم المريضة بما يلبي كل هذه الطلبات، لا أحد يقدم شيئا أو حلا ، الكل يطلب، يطلب فقط حتي لو كان موقنا أن طلبه صعب التحقيق في مثل هذه الظروف، لا يتراجع يصر علي طلبه رافضا كل وسائل الإقناع.

مصر أصبحت أشبه بحديقة مملوءة بالأطفال،لا أب لا أم ،أطفال فقط وكل طفل يطلب من الطفل المجاور أوالمقابل له أن يلبي ما يريد وفي النهاية لا أحد منهم يملك ما يعطي للآخر ولا أحد منهم يتوقف عن الطلب.

السؤال:إلي أين ستأخذنا هذه الحالة ؟ وهل الانتهاء من الانتخابات وايجاد مجلسي شعب وشوري مهما كانت هويتهما وانتخاب رئيسا كفيل بأن ينتشل مصر مما هي فيه؟ أجزم أن الإجابة لا.. لا.. لا.. فالروح التي فجرت ثورة 25 يناير "ماتت"، الروح التي جعلتها تستمر وتنتصر"ماتت"، لم يعد هناك "إيثار".. فالكل يريد الغنيمة، أعطي أو لم يعط يريد الغنيمة، شارك أو لم يشارك، يريد الغنيمة، من أين وكيف ؟ لايهم ، هل يستحق؟ لا يهم

هذه الحالة من الأنانية ان لم نتداركها ونجد لها حلا لن يقوم لهذه البلد قائمة ولو بعد مائة عام.

فليس المهم من فاز في الانتخابات ولا من سيفوز ولامن لم يفز الأهم هنا هو كيف سنعمل سويا للخروج من النفق المظلم الذي وضعنا أنفسنا فيه، لن تستطع فئة مهما كانت قدرتها أن تنجو بالبلد دون دعم من القوي الأخري، لايجب أن تنسينا المنافسة حق هذه البلد علينا، فلامجال للمنافسة في مثل الظرف الذي تمر به مصر،ولا مكان للتفاؤل لمجرد التفاؤل، لابد من حساب كل خطوة لابد من تضافر كل الجهود وإلا سنغرق جميعا، ولا أريد من أحد أن يتهمني بالتشاؤم ، فما حدث لهذه البلد منذ بداية الثورة إلي لحظة كتابة هذه الكلمات كفيل برد هذا البلد مائة سنة للوراء، الغريب أن الحل أسهل مايكون "التكاتف" ولكن هل تغير الكلمات ما طبعت عليه النفوس؟ أرجو ذلك .. وحما الله بلدنا من كل سوء ورحم شهدائنا الذين أناروا لنا طريقاً نصر كل يوم علي إظلام جزء منه. ياناس البلد بتموت وكلنا عاوزين .. ومفيش أمل غير ان كلنا نعطي وإلا هنفجر اللغم فينا كلنا.. 

 

 


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية