عدت للتو من رحلة وإجازة عيد قضيتها في بلدتي بصعيد مصر .. ذهبت محبطاً محملاً بأفكار استقرت في ذهني علي مدار سنوات بأنه لا تغير في الصعيد، وأن الثورة لم تصل إلي هناك، و عدت - وتلك المفاجأة - متفائلاً بعد مشاهدات عديدة رصدتها هناك، وتأكدت من خلالها أن حقبة سوداء في تاريخ مصر عموماً، والصعيد خصوصاً علي وشك الزوال.

بالصدفة انتمي إلي مدينة نجح حمادي معقل الفلول من نواب الحزب المنحل، تلك المدينة التي احتضت منذ أسابيع مؤتمراً حاشداً لحزب الحرية (الوطني سابقاً) وشهد هذا المؤتمر تهديدا ووعيداً من نواب الحزب الوطني السابقين، وفلوله بقطع الطرق، والكهرباء، ومياه النيل عن مصر إذا تجرأ المجلس العسكري، وطبق قانون العزل السياسي مما كان يستوجب معه محاكمة هؤلاء النواب عسكرياً وليس إبعادهم سياسياً فقط اكتشفت في تلك الرحلة أن فلول الحزب الوطني لا يستندون حالياً علي أي شعبية، وأنهم مجرد ظاهرة صوتية تعيش علي آمال مستحيلة بإعادة إنتاج نظام سابق ولي بلا رجعة، ومن خلفهم بعض البلطجية، وتجار الدم والسلاح يرهبون الناس ببنادقهم الآلية، في وقت لم تعد تلك الوسائل تخيف حتي ذبابة.
ما أثلج الصدر وأسعد القلب هو تلك الروح الجديدة التي تتحرك رويداً رويداً قبل الانتخابات القادمة يقودها الشباب الجديد الذي عاني من انتشار العصبية ولم يجن من ورائها سوي نواب عادوا كما ذهبوا، وآخرين نهبوا وسلبوا وتحكموا في رقاب العباد.
وبجانب تلك الروح فإن النظام الانتخابي الحالي ومن حيث لا يريد ولا يقصد المجلس العسكري أدي إلي تشتيت الفلول، فنظام القائمة النسبية جعلهم يتصارعون علي رؤوس القوائم، وعندما فشل بعضهم في ذلك ولي وجهه إلي الفردي فازدادت معركتهم ضراوة فيما بينهم، وتركوا معركة القوائم لحزب الحرية فقط، وتوزعت فلول الدرجة الثانية ممن شاركوا في المجمعات الانتخابية للحزب الوطني علي باقي القوائم.
أما الأقباط ويقدر عددهم في محافظة قنا بعشرات الآلاف، ويتركزون بشكل واضح في منطقة نجع حمادي فقد اختاروا عدم الترشح في هذه الانتخابات وأعلنوا ذلك، ولكن قراءة المشهد تقول إن هذا الإعلان ما هو إلا لعبة سياسية وأن أقباط نجع حمادي ودشنا وأبوتشت وفرشوط، وهي المنطقة الواقعة في شمال قنا يسعون بكل قوة لحسم المعركة علي المقعد الفردي لمرشح قبطي خفي لا يعرفه أحد تقدم بأوراق ترشيحه، ومن المنتظر ان يحقق نتيجة كبيرة في حالة حشد الأقباط للتصويت له، ومن الممكن نجاحه إذا اتفق كبار الأقباط في المنطقة علي دعمه، ومساعدته في التحالف مع مرشح فردي فئات قوي وقائمة قوية.
خلاصة القول إن الفلول يحاولون بكل دأب العودة إلي البرلمان معتمدين علي العصبيات القبلية رغم الأصوات التي تأتي من بعيد وتقترب منهم مخترقة آذانهم وتقول بأي وجه تقابلون الناخبين وبعضكم قضي ثلاثين عاماً في تزوير إرادة الناس والنهب المنظم لمقدرات أبناء المنطقة.
لقد تغير الصعيد، وأصبحت كلمة فلول علي كل لسان حتي أن من كان بالأمس يتمتع بالحصانة يسمعه بأذنيه، وعلي قارعة الطريقة (يافل) ولا ينطق ببنت «شفه».
وكما للأقباط والشباب دور في تكسير امبراطورية الفلول في قنا فإن للسلفيين نصيب بما يمتلكون من كتلة تصويتية قد لا تستطيع حسم أي مقعد لصالحهم ولكنها بالتأكيد سوف تؤثر في فرص نجاح الفلول خاصة إذا ما تم تنفيذ ما يعرف بـ «غزوة الفجر» التي تعتمد علي الذهاب إلي اللجان فجراً، والاستفادة من ضيق الوقت بالتصويت مبكراً قبل أنصار الفلول.
أما الأحزاب السياسية خاصة «الوفد» اللاعب الرئيسي في انتخابات المنطقة في الوقت الحالي والمؤهل لمنافسة الفلول وإقصائهم فإن عليهم الدور الأكبر في إقناع الناس بأن العصبيات القلبية لا تفيد لانها تفرز شيخ قبيلة أو زعيما ولكنها لا تقدم أبداً نائباً عن الأمة قادراً علي تمثيل الناس وكتابة دستور مصر الجديدة.



 


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية