انتهينا في الأسبوع الماضي الي عرض أدلة من قال من العلماء بعدم جواز الخروج علي الحكام وان جاروا وفسقوا، وعدم منازعتهم السلطان وأخذه منهم وجعله لغيرهم إلا أن يخرجوا من ملة الاسلام أو يتركوا الصلاة وإقامتها بين الناس، وقد علل أصحاب هذا الاتجاه النهي عن الخروج عليهم وان كانوا ظلمة فاسقين بأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة، فيجب دفع الفساد الأعظم بالتزام الفساد الأدني سيراً علي قاعدة ارتكاب أخف الضررين. ونقف هنا مع أصحاب الاتجاه الثاني والذين يرون وجوب الخروج علي الحاكم الظالم ورفع السلاح لخلعه من منصبه إذا لم تتمكن الأمة من رفع المنكر إلا بذلك، وقد ذهب هذا المذهب جماعة من أهل السُنة وكذلك المعتزلة والظاهرية وجميع الخوارج والزيدية وقالوا: يجب إشهار السلاح علي الحكام الطغاة اذا لم تكن هناك طريقة أخري لتغيير وضعهم الذي لا يرضي الله ورسوله صلي الله عليه وسلم، وقالوا أيضاً: اذا كان الحق في عصابة يمكنهم الدفع ولا ييأسون من الظفر ففرض عليهم ذلك وان كانوا في عدد لا يرجون لقلتهم وضعفهم ظفر كانوا في سعة من ترك التغيير باليد، وقد نسب ابن حزم هذا الرأي الي جميع الصحابة الذين شاركوا في الحوادث التي وقعت في عهد عثمان وعلي ومعاوية، وكذلك من خرج من الصحابة والتابعين علي بعض حكام بني آمية وغيرهم فقال: «وهذا قولة علي بن أبي طالب وكل من كان معه من الصحابة وعائشة وطلحة والزبير وكل من كان معهم من الصحابة ومعاوية وعمرو بن العاص والنعمان بن بشير وغيرهم ممن معهم وعبدالله بن الزبير والحسن بن علي وأنس بن مالك وعبدالرحمن بن أبي ليلي وسعيد بن جبير والحسن البصري ومالك بن دينار والشعبي والمطرف بن عبدالله وعطاء بن السائب» كما ذكر اناساً غيرهم من الصحابة والتابعين، وكذلك نسب هذا الرأي الي بقية أئمة المذاهب سوي أحمد بن حنبل فقال ابن حزم: «وهو الذي تدل عليه أقوال الفقهاء كأبي حنيفة ومالك والشافعي وداود وأصحابهم فإن كل ما ذكرنا إما ناطق بذلك في فتواه وإما فاعل ذلك بسل سيفه في إنكار ما رأوه منكراً»، وهذا الرأي هو ما يراه أيضاً إمام الحرمين الجويني فقد بين في كتابه «غياث الأمم» أنه يري أنه ليس لآحاد الناس في أطراف البلاد أن يثوروا علي الحاكم لأنهم لو فعلوا ذلك لاستأصلهم الحاكم فقضي عليهم فكان ذلك سبباً في زيادة المحن وإثارة الفتن وانما يجوز الثورة اذا وجد رجل مصاع ذو أتباع يقوم آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر فيغير الوضع الكائن في الدولة الي ما هو أصلح للأمة». وقال أيضاً في كتابه «الإرشاد» واذا جار والي الوقت (يعني الحاكم) وظهر ظلمه وغشمه ولم يرعوي عما زجر عن سوء ضيعه بالقول فلأهل الحل والعقد التوطؤ علي درءه ولو بشهر الأسلحة ونصب الحروب». ولقد استدل القائلون بوجوب الخروج علي الحاكم الظالم بالآيات والاحاديث الكثيرة الواردة في ايجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد أو باللسان أو بالقلب وليس فيها تفريق بين إناس وإناس ممن يعرفون عن المعروف أو يرتكبون المنكرات. ومن الآيات التي استدلوا بها قوله تعالي: «وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الاثم والعدوان» المائدة «2».. فالسكوت علي الحاكم الظالم وهو يوقع الظلم بعباد الله تعاون علي الإثم والعدوان، وكذا قوله تعالي: «فقاتلوا التي تبغي حتي تفيء إلي أمر الله» الحجرات «9»، وقوله تعالي: «لا ينال عهدي الظالمين» البقرة «124»، كما استدلوا بالأحاديث التي تنهي عن طاعة الحكام في معصية الله عز وجل كقوله صلي الله عليه وسلم: «لا طاعة في معصية الله انما الطاعة في المعروف» رواه مسلم، وقوله صلي الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما: «علي المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة»، واستدلوا أيضاً بالأحاديث التي تحث المرء المسلم علي الدفاع عن ماله وعن عرضه وأنه إن مات في دفاعه هذا كان من الشهداء الأبرار عند رب العالمين، فقد صح عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال: «من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد» أخرجه أحمد والأربعة، وصححه الترمذي. فإن هذه الأحاديث تشمل ما لو تعدي الحكام علي مسلم أو جماعة من المسلمين وظلمهم فدافعوا عن حقوقهم كان لهم ذلك بل يكونون شهداء اذا قتلهم الحاكم الظالم وهم يدافعون عن حقوقهم. وللحديث بقية الأسبوع القادم إن شاء الله.


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية