حسن بركية إنفصال جنوب السودان أصبح أمرا واقعا وتشكل المحصلة النهائية نجاحا للخطاب الانفصالي في الشمال والجنوب،حيث قوبل الأمر بنحر الذبائح من قبل إنفصالي الشمال(جماعة الطيب مصطفي) وبقرع الطبول والأهازيج والأغاني في الجنوب.

أهم من كان يميز الخطاب الإنفصالي في الشمال والجنوب معا(وبمباركة دولية)هو تغيب الحقائق وتغبيش الوعي والقفز فوق الواقع المعاش بالهروب نحو مستقبل متوهم،المواطن العادي في الشمال ظل تحت تأثير الخطاب الإنفصالي المرتكز علي تصورات دينية لمسألة الصراع السياسي بين الجنوب والشمال،ويصور الجنوبي كأنه عبء يجب التخلص منه بأسرع مايمكن وأن الإنفصال يعني دولة الرفاهية والرخاء والدين الواحد والثقافة الواحدة(العربية الاسلامية ).

تجاهل هذا الخطاب عمدا المخاطر السياسية والإقتصادية المترتبة علي إنفصال الجنوب وكانت أجهزة الإعلام الحكومية في الشمال تكثر الحديث عن المعادن الموجودة في باطن الأرض بالشمال ، في إشارة إلي عدم تأثر الشمال بفقدان 75% من عائدات البترول بسبب إنفصال الجنوب رغم أن المعطيات الماثلة في الواقع كانت ولازالت تكذب صحة هذه الإدعاءات الحكومية.

وبالمقابل كانت الحركة الشعبية تدعم الخطاب الإنفصالي في الجنوب بصورة كبيرة وعلنية وبل مارست الإرهاب والتخويف علي الأصوات الوحدوية . وغابت الحقائق وسط الأهازيج وقرع الطبول وشعارات مرحلة الثورة التي لازالت تفرض نفسها علي المشهد في الجنوب رغم وصول الجنوب إلي مرحلة الدولة حيث لاتجد شعارات المرحلة الثورية مساحات تذكر في أرض الواقع خاصة مع التحديات الكبيرة التي تنتظر الجنوب .

وعطفا علي ماسبق ومع قراءة مابين سطور السياسة السودانية نجد أن خيار الإنفصال كان خيار شريكا نيفاشا (الحركة والمؤتمر والوطني) وبمواقفة القوي الكبري خاصة الولايات المتحدة. قبل شهور عديدة من الإستفتاء قال وزير الخارجية السوداني علي كرتي في تصريحات صحفية (أن الوقت قد مضى للحديث حول البحث عن معجزات لجعل الوحدة جاذبة»،وبالوحدة) وكان ذلك الحديث بمثابة أول تعبير علني عن الزهد في الوحدة من قيادي في حزب المؤتمر الوطني .

هذا بالإضافة إلي كثير من الممارسات العملية للحزب الحاكم كانت نتفر الجنوبيين من الوحدة مثل الحديث المتكرر عن تطبيق قوانيين الشريعة والمداهمات المتكررة لقوات الشرطة لصانعي الخمور البلدية من مواطني الجنوب ,الحركة الشعبية من جانبها وظفت كل قدراتها لدعم خيار الانفصال منذ وقت مبكر وقال أمينها العام باقان أموم قبل عدة أشهر من بداية الإستفتاء) لا توجد إمكانية أو أي فرصة حتى ولو ضئيلة لتحقيق وحدة السودان، إلا إذا قام المؤتمر الوطني، بإعادة احتلال الجنوب والسيطرة عليه بالقوة العسكرية. وستكون خطوة دموية، وبذلك لن تكون وحدة،)اذا طرفا إتفاق السلام الشامل عملا ضد نصوص الإتفاق التي تلزمهما بجعل خيار الوحدة خيارا جاذبا.

سارت الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الأساسي والراعي الأكبر لإتفاق السلام في طريق الانفصال وعملت علي تسريع خطوات الانفصال عبر مداخل مختلفة وبوسائل متعددة، والانفصال هو نتيجة طبيعية لسلام مرتكز علي مشروعيين متناقضين(المشروع الحضاري الاسلامي للمؤتمر الوطني) و(السودان الجديد العلماني للحركة الشعبية) وفي النهاية هي مشاريع تعبر عن النخبة الحاكمة في الشمال والجنوب أكثر من أنها تعبر عن نبض الشارع السوداني شمالا وجنوبا.

خلاصة القول أن الخطاب الإنفصالي المرتكز علي السلطة والثروة في الشمال والجنوب فرض تصوراته علي كامل المشهد السوداني وقبل ذلك مارس شريكا الحكم سياسات باعدت بين الشمال والجنوب ومنحت مساحات كبيرة جدا لكل من ينادي بالانفصال في الشمال والجنوب.صحيح هناك مظالم تاريخية لحقت بالجنوب وخلقت حالة من عدم الثقة بين الشمال والجنوب ولكن الصحيح أيضا أن الحركة الشعبية كانت قادرة علي ترجيح كفة الوحدة لو أرادت وبالمقابل كان المؤتمر الوطني يعمل في الخفاء علي تعطيل كل خطوات الوحدة وتدافع عنها في العلن وكانت النهاية تقسيم وتشطير أكبر دولة أفريقية وعربية برغبة محلية حزبية وسند دولي.


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية