لو فتح باب الشكوى بين كثير من الأزواج والزوجات ، فأحسب أن لدى كل منهما من الشكاوى ما يحتاج في تدوينه إلى أيام وربما إلى أسابيع وأشهر، وربما يكون محقًّا.. أيها الأزواج :- إن الحياة مليئة بالهموم والمشكلات والابتلاءات ، وكلنا يعلم ذلك ، ولحكمة بالغة قال تعالى في سورة الملك :- ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ) سورة الملك : 2 أدري أن الكثيرين والكثيرات من الأزواج والزوجات ، يمكن أن يقولوا :- أنت لا تعرف على كم من الإهمال والتقصير نصبر ! وغيرهم سيقولون كذا وكذا.. والخلاصة :- أن أحد الطرفين أو كليهما يرى أنه يصبر على ما لا إحتمال عليه ، ولا مزيد فوقه ، وأن قدراته توشك على الانهيار من كثرة ما تحمل ويتحمل.. ولكن تعالوا نتفق على أمر مهم :- هل الحل هو في الشكوى والتذمر والتأفف والتبرم ، دون أن نخطو خطوة واحدة باتجاه الحل.. وليس غرضي هنا أن أنفي أو أثبت ما لأحدهما من حق على الآخر ، وإنما غرضي هنا أن أتكلم عن معنى من لوازم الحياة الزوجية ، ومن وحي رمضان ، ومن إلهامات مكارم الأخلاق ومحاسنها ، ألا وهو معنى الإحسان أين نحن من الإحسان في شهر الإحسان ؟ وحتى نقترب من معنى الإحسان دعونا نجول معه جولة سريعة نتبين فيها معناه وآثاره.. الإحسان بأبسط عبارة مأخوذ من الحُسْن ، وهو كل جميل من الفعل أو الخصال أو الكلام ، وأحسَن فلان أي فعل ما هو حسن ، وحسَّن الشيء جعله حسنًا وزيَّنه. وأزيد أنا- من وحي ما سبق- أن كثيرًا من الأمور قد تكون قبيحة أو عادية ، فإذا أحسنَّا إليها بالترتيب والعناية والرعاية صارت أحسن وأفضل. كما عرفه النبي في الحديث بقوله :- ( ... أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) متفق عليه .. فأن تُقدِّم أفضل ما لديك ، وتستمر في تعلم ما يزيده جودة وحسنًا ، هذا هو لب الإحسان. أيها الأزواج :- لا تقولوا :- كم أحسنَّا فلم نجد مقابلاً ، أو تقديرًا ، أو حتى كلمة طيبة! ولا تقولوا :- كم صبرنا واحتملنا ولا جدوى ! الحياة صارت لا تطاق . وقبل أن تسألاني أيها الزوجان :- إذن ماذا أقول إذا واجهتني مشكلات شريك الحياة ولم أعد أحتملها مع كوني أبذل كل ما بوسعي من أجله ولا يتغير أو يتحسن؟ وقبل أن أجيبكما أحب أن أسرد عليكما هذه القصة الصغيرة :- يروى أنه في إحدى بلاد أوروبا كان هناك عامل بسيط يعمل بمصنع للأثاث ، وبعد عشرين عامًا من التفاني في العمل والإخلاص والإتقان ، أحس أن هذه الشركة لا تقدره ، فهو يتلقى الزيادات السنوية كأي عامل لا يبذل بذله ، ولا يخلص إخلاصه ، وندم على الجهود التي بذلها طيلة عمله بالشركة في التحسين والتجويد والإتقان ، وكفر بكل المثل والقيم النبيلة التي كان يؤمن بها ، فذهب إلى صاحب الشركة وأخبره بأنه سيترك العمل في نهاية الشهر ، لأنه قرر أن يقضي بقية حياته في راحة، فصحته لم تعد تحتمل المزيد من التعب والمشقة . وافق صاحب العمل على الفور مع ابتسامة طيبة :- ( مما أثار غضب العامل أكثر ) ، ولكنه طلب من هذا العامل أن ينجز له مهمة واحدة قبل أن يغادر المصنع ، أحس العامل بضيق أكبر من ذي قبل ، فوافق العمل وفي نيته أن يؤدي العمل على أي شكل كان ، فقال له صاحب المصنع :- أريدك أن تشرف لي على بناء منزل جميل ، تختار أنت مكانه وعماله وأثاثه ، وستكون خزانة الشركة تحت أمرك خلال هذه الفترة . وبالفعل مع نهاية الشهر دخل العامل على صاحب المصنع ومعه مفاتيح المنزل المطلوب وقال :- قد أنهيت مهمتي، وهاك المفاتيح .. وقبل أن يكمل العامل كلامه قال صاحب المصنع :- هذه المفاتيح لك ، فقد كنت تبني منزلك الذي أُهديه إليك جزاء إتقانك وإخلاصك ونزاهتك طوال عملك معنا بهذا المصنع. وهنا سقط في يد العامل ؛ لكنه لم يستطع أن يخبر صاحب الشركة بأن هذا البيت هو أسوأ عمل أنجزه طوال حياته . سبحان الله هذا الرجل كان يتفاني في عمله طلباً للأجر والمكانة عند البشر ، واستمر عشرين عاما لا ييئس من الحصول عليهما ، فكيف بك أيها الزوج أو الزوجة وأنتما تنتظران الثواب من الله الذي قال عن نفسه سبحانه وتعالى :- ( إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ) سورة الكهف:30 .. وقوله تعالى :- ( إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) سورة التوبة :120 .. وكيف بكما وأنتما تقرآن قوله تعالى :- ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) سورة الرحمن:60 ولا أحسبكما تظنان أن صاحب هذا المصنع أكرم من الله ، وأسخى منه ، وهو سبحانه الذي يعلم السر وأخفى ، فهل تخشيان بعد ذلك أن يضيع شيء عنده أو في ميزانه ؟ ولكن هل يعني هذا ألا يشكو أحد الطرفين من الآخر ؟ .. أقول ليس هذا مقصدي وإنما مقصدي أن يتجاوز كل طرف عن التفكير في حقوقه إلى بذل كل ما يستطيع لإسعاد شريك حياته ، ومع هذا لا مانع أن تُحل كل المشكلات ، بالأخذ بأسباب الحل المادية والمعنوية ، ولكن في إطار من الإحسان والحوار الطيب اللطيف وإستشارة أهل الخبرة والتخصص . ولنعلم أنه إذا جعلت شريك حياتك وأبناءك سعداء ، فستتضاعف سعادتك ، ولكن إذا أشعت أجواء الحزن والأسى والضيق في بيتك ، فسيزداد حزنك ، فهم في الغالب يمكن أن ينسوا ما تقول ، وفي الغالب ينسون ما تفعل ، ولكنهم لن ينسوا أبدًا الشعور الذي أصابهم من قِبلك .. فاجعلهم يشعرون بالسعادة بالله عليك .. وليكن شعارنا جميعًا وصية الله التي وردت في القرآن الكريم :- ( وقولوا للناس حسنًا ) سورة البقرة:83


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية