لفت نظرى ماقاله رئيس أركان جيش العدو الصهيونى عن ثورة 25 يناير المصرية من أن "الأحداث في مصر تثبت انه يتوجب علينا التواضع والحذر في تقديراتنا للعالم العربي" ولم يقل "يتوجب علينا التواضع والحذر فى تقديراتنا لمصر" . ولايجب المبالغة والمزايدة على الشعوب العربية بأن مصر أكثر عروبة من غيرها، فمصر عربية أصيلة بقدر عروبة اشقائها العرب وتحرر مجتمعاتهم من قبضة الحكام الطغاة وهيمنة المستعمر الغربى، وترسب السؤال فى الأعماق عن كيفية الربط بين الثورة المصرية من ناحية والحذر والتواضع فى تقدير العدو الصهيونى للعرب من ناحية أخرى. وهل الثورة المصرية هى ثورة قطرية أم ثورة عربية؟

المتابع للشأن العربى يعرف أن العالم العربى قبل الاحتلال الاجنبى و"اتفاقية سايكس-بيكو" لم يكن يعرف التقسيمات والحدود الحالية. تحددت ملامح وحدود دول عربية وتداخلت بعض الحدود مع بعضها بفعل استعمارى لتأجيج النزاعات. تباعدت وتدانت العلاقات العربية، وصارت فى عداوة تارة وفى فتور تارة أخرى، وتجلت وحدتها فى دعمها لحرب اكتوبر ضد العدو الصهيونى عام 1973. تحولت انتصارات أكتوبر بسياساته الخانعة إلى تبعية للكيان الصهيونى من جراء توقيع اتفاقية الاستسلام المسماة باتفاقية "كامب ديفيد" بين نظام السادات وكيان العدو الصهيونى. انتهى الأمر إلى اعتراف جميع الأنظمة العربية علنا وسرا بالكيان الصهيونى، ولاتوجد شبهة استقلال لنظام عربى واحد لم يطبع العلاقات مع الكيان الصهيونى. زادت القبضة الاستبدادية على العالم العربى من حكامه، تململت الشعوب، وبدأ رد الفعل فى مصر مع بداية احتلال أمريكا وحلفائها للعراق. أدرك الشعب المصرى أن سبب الداء ومكمنة هو فى نظام الطاغية مبارك، وقامت الحركة المصرية من أجل التغيير "حركة كفاية" فى نهاية عام 2004 رافعة شعار "لاللتمديد ولا للتوريث" بالإضافة إلى المطالبة بعدالة اجتماعية ونظام ديمقراطى. حاولت تغيير الوضع وإزاحة مبارك ونظامه الفاسد، تأرجحت بين الصعود والهبوط، لكنها لم تتلاشى وظلت دوما موجودة كصوت للضمير وديك يؤذن لفجر الثورة. وفى 25يناير فجر شباب مصر ثورة انضم لها كافة الشعب المصرى باستثناء الخونة والانتهازين، وفى خلال ثمانية عشر يوما دفع الشباب الثمن دما وشهداء وقامت الثورة بطرد الطاغية الفاسد "حسنى مبارك" من الحكم فى مساء الجمعة 11 فبراير 2011  محققين شعار "حركة كفاية" فى إنهاء مشروعى التمديد والتوريث.

الثورة التونسية سبقت الثورة المصرية وفى خلال ثلاثة وعشرين يوما طردت طاغيتها "زين العابدين بن على" من الحكم فى مساء 14 يناير 2011. سرى زلزال ثورتى تونس ومصر إلى اليمن والأردن وليبيا والبحرين والجزائر، وبدت إرهاصات للثورة فى الكويت وفى شبه الجزيرة العربية المحتلة بآل السعود والتى تسمى ظلما باسم "المملكة العربية السعودية". شيء هام لاتخطؤه عين أن حالة من الملل والقلق والتمرد سرت فى أوصال الشعوب العربية على مختلف صناديق حدودها، تتشابه فى الطباع والعادات والتقاليد وتئن من وطئة حكم الطغاة، ويسعون إلى التحرر من الظلم والفساد. ماحدث فى تونس ومصر ومايحدث الآن من اتساع رقعة الثورة فى العالم العربى لايمكن وصفه بالثورات القطرية، وإنما ثورة الأمة العربية، ثورة غير مسبوقة بدأت شرارتها فى تونس، وتأصلت وارتكزت قاعدتها فى مصر باعتبارها أكبر دولة عربية، واتسع الفتق على الراتق وستشمل كل قطر عربى يظن أنه بمعزل عن الآخرين وأن ظروفه تختلف عن ظروف من التهمتهم نيران الثورة، كل الأقطار العربية متشابهة فى اللغة والتاريخ والجغرافيا وفساد الحكام. وماصرح به رئيس أركان جيش العدو الصهيونى بأن عليهم التواضع والحذر في تقديراتهم للعالم العربي بعد الثورة فى مصر يؤكد بما لايدع مجالا للشك بأن تمردات الشعوب العربية هو ثورة عربية تجتاح العالم العربى من المحيط  إلى الخليج  وليس ثورة قطرية أو ثورة معزولة عن عالمها العربى.

 سيذكر لاحقا أن بداية العقد الثانى من الألفية الثالثة شهد ثورة عربية شعبية لأول مرة فى التاريخ، ثورة نشبت فى قطر، وانتقلت ألسنة نيرانها إلى واقع مشابه فى أقطار عربية أخرى، ثورة فى حالة تواصل بلا انفصال زمنى. ستنتصر الثورة العربية وتتحرر شعوبها، ويبقى السؤال هل يمكن أن تستثمر الثورة العربية بشكل إيجابى وتؤسس لنظام حكومى عربى ذى طابع اتحادى سواء كان فيدرالى أو كونفيدرالى يعبر مصالح العرب وليس مصالح أعداء العرب؟ أتمنى فهذا ما حلمنا به  وانتظرناه طويلا.  

د. يحيى القزاز

22فبراير 2011


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية