تدور قصص المجموعة " قافلة العطش" على محور واحد،وهو الحبّ بصوره المتعددة،وأشكاله المتباينة،وتقترب في بعضها من قصص الأطفال بإنطاق الجمادات كما في" بئر الأرواح"و" الفزاعة" أو استلهام  الأسطورة التي  لم تحدث كما في " رسالة إلى الإله" وغيرها.

    تطالعنا القاصة بقصة" قافلة العطش" التي اتسمت المجموعة باسمها لتعيشنا في زمن الجاهلية،وهذا العطش= الحبّ الذي كان سبباً في وأد البنات الذي صار "طقساً قاسياً من طقوسها الدامية" (1) فالصراع قائم بين ثقافتين:قيمة العشيرة وأعرافها وتقاليدها،وقيمة الحبّ بما فيها من تمرّد واختيار "لقد جئتِ ببدعة ماسمعت بها العرب من قبل،كيف تقبل حرة ان تكون في ظلّ آسرها؟قالت بتعب مهر ركض حتى آخر الدنيا"أنا عطشى..."(2) وأعراف القبيلة التي تشكّل قيمها لا يجرؤ أحدٌ على التمرّد عليها ،فـ" عند أوّل واحة سرابية ذبح الرجال الكثير من نسائهن اللواتي رأوا في عيوهنّ واحات عطشى،وعندما وصلوا إلى مضاربهم،وأدوا طفلاتهم الصغيرات خوفاً من أن يضعفن يوماً أمام عطشهنّ،وفي المساء شهد رجال القبيلة بكائية حزينة،فقد كانوا هم الآخرون عطشى "(3)للحبّ.

     وفي قصة" النافذة العاشقة" نعيش مع قيمة الحب والتغيير،فتنقلنا القاصة من المظهر"بيت جديد" أحد طموحاتها زوج وأبناء،هم جميعا قد يكونون آمال عادية مثلها،لم تكن تريد أكثر من ذلك سيدة مطبخ،حاولت وهي تقضي فيه جل وقتها تزينه،حتى كان التغيير بطلة الشاب الوسيم الذي" يصغرها بعقد من الزمن،ويكبرها بعقود من الحيوية والسعادة والأمنيات والطيش"(4) ومن يعيش قانعاً قابعاً في روتينه المألوف،يكره كلّ وافد جديد،ولما كان الوافد الجديد ملحاحاً،لاقى ترحاباً بعد لأي،وحبّب إليها المكان( المطبخ)،وحبّب إليها نفسها،فغير من شكلها الخارجي والداخلي( الأمنيات والأحلام) حتى بعد أن هجر (الأسمر) الحديقة ظلت تحلم به،و"بقيت تشتمّ أريجه الذي تحمله الريح من النافذة،كانت تسمع كلماته التي لم تقلها،تستمع بمخاصرته في رقصة لم تحدث،تخجل من قبله الحار التي لم تذقها،كانت سعيدة سعيدة سعيدة جداً...هكذا كانت تصف نفسها التي كانت تعجب منها عندما تتكوم بلا حيلة على بلاط المطبخ إلى أسفل نافذتها العاشقة،وتنتحب بحرقة"(5).

   وفي  قصة "رسالة إلى الإله" قيمة الحبّ في نسيج أسطورة لم تحدث،ولكن الإله زيوس الذي لم يكن معنياً بالحبّ تذكر سيلاً ممن عشق من نساء وإلهات،ولكنّه مازال يحلم بلحظة حب"في لحظات قدّرها البشر بالآف السنين من صمت الإله زيوس،واحتجابه دونهم...تمنّى لو كان له هو الآخر إله؛ليرسل إليه رسالة يتضرّع فيها كي يذيقه العشق الحقيقي،ولو لمرة واحدة في الحياة"(6)

   وفي قصة " الفزاعة" تتجلّى قيمة الحبّ حتى تنبعث في جماد ومن جماد،فالفزاعة التي أُئتمنت على حقل الفراولة هزّها الحبّ " ثم استجاب إلى وجيب قلبه،ترجّل من مكانه،وقطع الحقل الصغيرداس ماوُكّل بحراسته لشدّة انفعاله بما رأى من خصومة من انتظرت وأحبت ،"داس دون أن يقصد بعض حبات الفراولة الحمراء،لم يقرع الباب،فتحه دون انتظار،ودخل على الكوخ..."(7)

    وفي "سبيل الحوريات" تبرز قيمه الارتباط بالتراث أيما ارتباط،نراها تنزع إلى معلم من معالم حاضرة الأردن لتدير حوله قيمة تراثية كان لها امتداد عبر حقب زمنية متعاقبة.

   وفي " تيتا" نجد قصة حبّ تتجلّى فيها  قيمة  الحبّالذي لا يعرف حدود الجنس واللون والمعتقد،بل يسخّر مُعتقد من يحب لتحقيق مأربه " قالت له بتعثلم وبشجاعة مزعومة:هاقد جئت إذن،هل أقرأ لك كفك؟قال:بل جئت لأخطفك ياساحرتي الجميلة. وخطفها، تنهد شوقت ورغبة،كان مجنونا مسحوراً،وخمّن أنّه لن يُشفى أبداً(8)".

  وفي " الرصد" قيمة الحبّ الذي يجرّ صاحبه إلى الفناء من خلال عدم الامتثال للمطلوب منه،ومخالفة شريكه.

  وفي قصة" امرأة استثنائية" نجد قيمة الحبّ الذي  لا يعرف قميئاً أو رجلاً جذاباً وسيماً،أو فتاة حلوة رشيقة؛هل المرأة الاستثنائية هي صانعة حبّ من نوع ما؟

  وفي  قصة "قطار منتصف الليل" هي تخشى الحبّ،وإن كانت تتمناه" ويلتقيان،ويطوقها وباقتها بذراعه القوي،ويجذبها نحو جسده،وينطلقان سيراً على الأقدام إلى أقرب مطعم في المدينة،وهدوء الليل يردد ضحكاتها...من جديد تتعالى ضحكاتهما،وإن طغى عليها صوت قطار منتصف الليل الذي غادر المحطة في رحلة جديدة".(9)

  وفي قصة " قلب لكلّ الأجساد" قيمة الحب وقيمة السقوط،تتنازعها قلوب كسيرة تستكين بسهولة للانهزامات والأحزان " فهو لا يؤمن بالعذرية،ولا يفصل الحب عن الجسد،وغابت الفتاة المتدينة،وآمنت به،وكفرت بنفسها،وفي النهاية هرب نحو فراش أخرى،وبحثت عنه في أجساد رجال كثر"(10) "ولما عاد،وقال لها:" أحبك،لنبدأ من جديد،هل أنتظرك هذه الليلة؟ تقول له نبرة مزدرية لم تعرف أنهّا تملكها: كم ستدفع؟!!" (11)

   وفي قصة " احك لي حكاية" قيمة الحبّ،وفارق السّن،تذكر بلوليتا الفتاة الوردة والمعشوق الجاف بعد ذبول،وسنوات العمر تمضي بجسد بلا روح،وعندما التقت الروح،هل تستقر الروح في الجسد؟

  وفي قصة " بئر الأرواح" قيمة الحبّ فيمن ذاق الحبّ؛لا يستطيع أن يفجع محباً في حبه" وبعد أن رفض البئر أن يعطيها روح زوجها قالت:" أيتها الروح،ياروح زوجي الحبيب،لك جسدي موئلاً،ادخلي فيه،ياروح،أنا في انتظارك؛جسدي سيكون موئلاً مقدساً لخلجاتك،جسد واحد يكفي لروحين عاشقين،ياروح حبيبي،اعصي هذه البئر الفاحشة،واستجيبي لمن يحبّك... وعادت تحمل روحين عاشقين كلتيهما قد قهرتا جبروت البئر الغاشمة"(12)

   وفي قصة " قطته العاشقة" قيمة الحب الدفين " يا الله كم احتاج إلى أن أخبرها

  ولو لمرة واحدة بمبلغ ولو لمرة واحدة بمبلغ عشقي!!! ما أبشع أم يرحل من قطعنا العمر في انتظارهم دون أن نقول لهم إنّنا نحبهم الذين يملكون أن ينيروا حياتنا سعادة"(13)،في الطريق توقف لعشرات المرات،حدّق في كلّ الوجوه والمناظر،وأدرك أنّ من نبحث عنهم هم دائماً أمامنا،وأنّ الحياة يصبح لها طعم آخر عندما نتوقف عند جزئياتها،ولو كان ذلك التوقف عند مواء قطة"(14)

      وفي قصة "زاجر المطر" قيمة المعاناة والبحث عن الحبّ الذي يقود صاحبه إلى الموت بعد وهم الحبّ المتخيل.

    وفي قصة " الجسد" حبّ إعلاء الشأن " كم تمنى أن تحظى الأجساد الملعونة بنفسها بشيء من الاحترام!!! وأن تُصان كينونتها،ويُعلى من شأن وجودها،وحتى ذلك الحين سيعيش في حنين موصول إلى الجسد الذي لم يقابله بعد" (15).

    ولغة السّرد القصصي في المجموعة لغة شاعرية،تمثّل رقة العواطف،وتدفّق الأحاسيس،وأنسنة الجمادات كما أسلفتُ،فبعضها يقترب من قصص الأطفال،بساطة لغة،وتناول قريب،وأنسنة الجمادات كما هي في قصص "الفزاعة"،و"الرصد"و"بئر الأرواح" والحيوانات كما في قصة" قطته العاشقة"،وصياغة أسطورة ممزوجة من الأسطورة ولاسيما الأسماء،وخيال القاصة المبدع من ملامسة جوانب العصر،لتبقى " العيون العطشى هي فقط من ترى آثار قافلة العطش على رمال الحرمان"(16).

 

سناء شعلان:قافلة العطش،ط1، دار الوراق،عمان،2006،ص.13

ص.ص:12-13.

ص13

ص16

   (5)  18

(6) 23

(7)30

(8)43

(9)60

(10) 75

(11)77

 (12)92-93

 (13)102

 (14)103  

  (15)124

(16) الغلاف الخلفي للمجموعة القصصية.


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية