أبرمت اتفاقية مع التاريخ وأستحلفته بأن يذكر كل مايدور في وطني،ولأني أعلم علم اليقين بأن التاريخ لا ينسي ولا يتجاهل ولايكذب، فاستحلفته أن يروي حلمنا وانجازنا للبشرية بعد أن سطرناه بدمائنا ليتحول من حلم في الصدور إلي حقيقة ناصعة تضيئ حاضرنا ومستقبلنا.

 كلي ثقة أن التاريخ سيسطرها ويعلنها فى سطور عريضة ويؤرخها فى كتب ومجلدات كأعظم الثورات العالمية منذ أن بدأت البشرية تخرج مطالبة بالحرية ،فأنا حتي الآن أعيش حلما  ليتنى لا أستيقظ منه أبدا ، فمن كثرة ما تمنيت ، ومن طول ما انتظرت ، لاأقدر أن أصدقها حتي الآن.

لقديئست وتخيلت بل وتأكدت أنني سأحيا ما حييت وأنا أسأل نفسي وألح في السؤال ، هل سأعيش وأموت دون أن أجد إجابة لأسئلتي الكثيرة ؟دون أن نتحرر ويتحرر وطننا من الطغاة ؟، والآ أحمد  الله كثيرا أن أحياني لأري بأم عيني هذه الثورة المباركة – بإذن الله – لعلي أجد إجابة لهذه الأسئلة .من يصدق ما حدث أنا حتي هذه اللحظة غير مصدقه ؟.

 رحمك الله بوعزيزي ،فما حققته لنا ولوطنك أكبر من أن نصدقه ، وللتاريخ أقول : بوعزيزي شابا جامعيا طموحا بحث عن العمل في كل مكان ،لكن دون جدوي ، ذهب إلي السفارات والقنصليات لإيجاد فرصة سفر للعمل بالخارج فيفشل أيضا، لم ييأس الشاب ورضي بقضاء الله ، ورضي بالقليل، فاضطرأن يقف بعربة خضاروفاكهة في الشارع ليعود منها بالرزق البسيط شاكراربه، فهذا القليل رغم أنه يسد بالكاد حاجته وحاجة أسرته ،إلا أنه ظل راضيا ، فهذا أشرف له من الجلوس علي المقاهي دون عمل، لكن حالة البؤس التي يعيشها هذا الشاب راضيا ، لم ترضي النظام الفاسد في بلده، فاستوقفته شرطية أهانته وصفعته علي وجهه وصادرت عربته مصدر رزقه الشريف والوحيد في الوقت نفسه،فحطم الطغاة آماله وأحلامه فقررأن يثور علي الظلم ، لم يجد أملا من الاستمرار في الحياة فأشعل النار في جسده النحيل وقرر اللاعودة اعتراضا علي الظلم والهوان.

هذه النيران لم تشتعل في جسده فقط ،إنما اشتعلت قي جسد وقلب كل إنسان شريف وطموح ، يحلم بالحياة الكريمة والحرية والعدالة ، فكان البركان وخرجت الألوف إلي الشوارع تهتف بسقوط الظلم والطغيان والأنظمة الفاسدة ، ليصبح موت هذا الشاب مبعث للحياة في أجيال قتلها القهر.

لم يتوقف الطوفان عند حدود تونس ، فامتد إلي شوارع القاهرة وغيرها من المحافظات المصرية التي يعاني أهلها من القهر والظلم والفساد ، فبدأ الشباب البائس في التخلص من الحياة المهينة بإشعال أجسادهم البريئة أسوة ببوعزيزى ، فلم يلتفت الطغاة ويعتبروا من أحداث تونس وتركوا العشرات ينتحرون بلا مبالاة ، في استفزاز سافر للشعب المصري  .

 شعر المصريون بالإهانة فهب الشعب في الخامس والعشرين من ينايربعد حملة شنها شباب ثائر علي الفيس بوك فسرعان ما تنبه الجميع وبد الشعب المصري ولأول مرة بطرد الخوف من قلبه وكسر حاجز الصمت الذي ظل مسيطرا عليه لعقود ، حتي أن البعض رحل وهو يتمني زوال هذا النظام الفاسد لكن لم يشهد تلك اللحظة ، ياليت كل من تمناها عاش ليراها .. وكانت جمعة الغضب وفعلها الشعب المصري فخرج المسلم والمسيحي ، الشيوخ والنساء والشباب والأطفال ، يهتفون بصوت واحد " يسقط النظام " في مختلف الأماكن في الشمال والجنوب في المدن والقري ،في الشوارع والميادين ،حتي من لم يستطع النزول إلي الشارع كان يهتف في منزله " الشعب يريد اسقاط النظام "

بدأت المسيرة سلمية ، ظل المتظاهرون يرددون "سلمية – شعبية – لادينية ولاحزبية " فلم يسمع النظام القديم – ليس القديم العهد ولكن قديم الفكر – ولم يبالي بهتافهم فأمطرهم بالقنابل المسيلة للدموع وبالرصاص المطاطي والحي محاولا تفرقتهم بكل السبل البشعة ، حتي بلغ بهم الفجر أن أمطروا المصلين بالمياه أمام الكاميرات ، فاشتعل الغضب ، وبدأت المواجهات تأخذ بعدا آخر ، فسقط الشهيد تلو الآخر في ساحة المعركة ، معركة شعب أراد الحياة ، خرج ليهتف بها فأسكته الرصاص .

تحول يوم الجمعة من يوم الغضب الي يوم الشهداء، لكثرة أعداد من سقط من أبناء الشعب المسالم علي أيدي رجال الأمن المستبدين ، الذين استعملوا كل ما لديهم من عصا كهربائية وهراوات والرصاص ، فأنا شاهدت بأم عيني أثناء متابعتي ما يحدث رجال الأمن وهم يطلقون مايشبه الصواريخ ينبعث منها أضواء كثيرة ومتفرقة لاأعلم لها إسما.

بعد أن نفدت زخيرتهم التي أطلقت كالمطر علي المتظاهرين وبعد أن بدأت قواهم تخر انسحبوا مهزومين من المعركة ، ليس هذا وحسب بل من البلد بكاملها ، من الشوارع والأقسام ، والسجون حتي الجمارك والسفارات ليرتكبوا جرما جديدا في حق الشعب المسالم .

وهنا السؤال الذي يفرض نفسه لماذا انسحبت قوات الأمن بكل أطيافها في وقت واحد؟ ومن أعطاهم الأمر بذلك؟ ربما يجيب وزير التعذيب غير"الحبيب وغير العادل" علينا في التحقيقات التي تجري معه.

ربما أراد هذا الفاسد بث الرعب في المجتمع وقلوب المتظاهرين ليتركوا الميدان ويعودوا لمنازلهم بعد أن خرج السجناء والمسجلين ومحترفي القتل والجريمة ، لكن إرادة الله كانت فوق مادبروا ، ففشل تخطيطهم واستمرت الثورة بعد أن زاد المصريون عن منازلهم وممتلكاتهم وتناوبوا الحراسة علي المنشئات وتنظيم المرور فأصبح الشارع أكثر أمنا ونظاما من عهد الغيرحبيب والغيرعادل"حبيب العادلي سابقا"

فشل النظام في وأد الثورة واستمرت في التوهج حتي أصبحت أمرا واقعا ، فخر النظام لأول مرة في تاريخ الوطن لمطالب الشعب ، واعترف مجبرا بما كان يرفضه نزولا علي ارادة الجماهير، واستنشق المصريون لأول مرة في تاريخهم أيضا عبق الحرية ،وبدأت تطالب بالمزيد ويتنازل النظام صاغرا فتطالب بالمزيد .

ويوما بعد يوم تتفتح زهور الثورة ،ويزدادبريقها ، ويعتصم الآلاف في الميدان مصرين علي حريتهم كاملة غير منقوصة ورحيل النظام الفاسد، أروجوا أن يستجيب النظام حقنا للدماء ولتجنيب الوطن المزيد من الخسائر .

 


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية