من عجائب الأمور أن يدفع الثوار الثمن مرتين؛ الأولى في عصر مبارك، وهذا طبيعي؛ لأن الديكتاتور لم يقبل أن يعارضه أحد أو ينازعه في كيفية التصرف في أمور الوطن، فكان الاعتقال إحدى وسائل قمع المعارضين لمحاولة كسرهم. وفي المرة الثانية لم يكن دفع الثمن طبيعيا،

فقد أعلنت السلطة المؤقتة أنها تقف مع الثورة وتتفهم مطالب الثوار، لذلك كان من الغريب أن تحيل إلى القضاء العسكري بعض من حملوا أكفانهم بين أيديهم، وظلوا يناضلون منذ سنوات من أجل حرية المصريين واستعادة كرامتهم، وكانوا الأشجع عندما وقفوا في مواجهة الطاغية بجبروته وأسلحة «الداخلية» التي لا ترحم، كانوا قلة ثم ازدادوا حتى تحقق الحلم وتحولت البذرة إلى نبتة، لكنها لم تصل –حتى الآن- إلى أن تكون شجرة وارفة الظلال، تحمل الخير والعدل وإزاحة القيود، وهذا ما نادى به الثوار، رفعوا شعار «الحرية والتنمية والعدالة الاجتماعية».
لقد جثم «مبارك» وعصابته على صدر هذا الوطن ثلاثة عقود من الزمن، ذاق فيها الناس مرارة العيش وألم القيود، وعندما زال الدكتاتور استبشروا خيرا، لكن شيئا لم يتغير إلى الأفضل، وبدلا من تكريم الثوار، فإنهم يحالون إلى القضاء العسكري، ومنهم الناشط السياسي علاء عبدالفتاح الذي دخل السجن مرتين؛ الأولى في عصر «مبارك» عام 2006 عندما شارك في وقفة للمطالبة باستقلال القضاء، وقضى في السجن 45 يوما. وعاد «علاء» إلى السجن مرة أخرى بعد ست سنوات، عندما ألقي القبض عليه يوم 30 أكتوبر الماضي بتهمة التحريض على القوات المسلحة أثناء مظاهرة الأقباط يوم 9 أكتوبر، ليقضي عيد الأضحى المبارك محروما من زوجته الناشطة منال حسن وابنه الطفل «خالد» وأسرته المناضلة ذات المستوى العلمي الرفيع، فهو ابن الناشطين السياسيين أحمد سيف الإسلام ﻋﺑﺩﺍﻠﻓﺗﺎﺡ مدير مركز هشام مبارك للقانون، والدكتورة ليلى سويف أستاذ الرياضيات في كلية العلوم- جامعة القاهرة عضو حركة 9 مارس لاستقلال الجامعة, والتي أعلنت إضرابها عن الطعام منذ يوم 6 نوفمبر الجاري، احتجاجا على حبس ابنها، وأصدرت بيانا أكدت فيها رفضها المحاكمات العسكرية، ومما جاء فيه: «أرفض محاكمة ابني أو أي مدني آخر أمام القضاء العسكري، حيث يتنافى ذلك مع قواعد العدالة كما يفهمها الناس جميعًا حتى ولو كان قانونيًا طبقًا لقوانين سنت في ظل سلطات غير شرعية حكمت بلادنا غصبًا لعشرات السنين».
حبس علاء عبدالفتاح لا يليق بالمكانة التي تحظى بها عائلته على المستوى العلمي. بخلاف والدته الدكتورة ليلى سويف، فإن خالته هي الأديبة العالمية أهداف سويف، وجده لأمه الدكتور مصطفى سويف أبرز أساتذة علم النفس في العالم العربي، وجدته لأمه الناقدة الأدبية البارزة والمترجمة الراحلة فاطمة موسى.
من غير المفهوم الإسراع بمحاكمة الناس على آرائهم، في حين أن من سرقوا الوطن وصادروا حريته ما زالوا يتمتعون بالحرية والمحاكمات البطيئة المملة، وما زال البلطجية يرتعون في أرجاء البلاد، يثيرون الفتن والقلاقل ويعيثون في الأرض فسادا ولا يجدون من يصدهم عما يفعلون. الحرية المفقودة هي الحلم الذي يبحث عنه المصريون للإفاقة من كابوس مبارك، وما صنعه فينا طوال سنوات حكمه.




 


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية