خطوات ثقيلة فى جنح الظلام ، طرقات عنيفة على الأبواب ، الرعب يملأ القلوب ، تخرس صرخات النسوة خشية ان يطولهن سوط العذاب ، يقفن مرتعشات الابدان نازفات الدمع ، يرقبن الاب او الابن وهو ينتزع من حضن العائلة بايدى المجهولين ، زبانية السلطة ، رجال امن الدولة ، بينما ينطلق بكاء الاطفال العفوى ، هذا المشهد الدرامى ما من شارع او حارة مصرية الا وشهدته وعايشته عن قرب ، الضحية المواطن المصرى ، والجلاد هو العسكرى الاسود ، اما التهم متعددة ، ابرزها العبادة جهرا وذكر الله ، والصلاة فجرا بالمساجد ..الخ .

ذات المشهد بعد ثورة 25 يناير يلوح لنا مع تحركات الطوائف والشيع الدينية للبروز بقوة على الساحة السياسة والاجتماعية على نحو تصادمى عنيف ، ذات المشهد ولكن منقلبا على الوجه الاخر للعملة المصرية ، خطوات ثقيلة فى جنح الظلام ، طرقات عنيفة على الابواب ، تخرس صرخات النسوة ، و....و الخ

حتى لا اطيل على القارئ واكون مثيرة لملل التكرار ، الضحية هو ذات المواطن المصرى ، اما الجلاد هذه المرة هم الاخوانجية ، السلفيين ، الجهاديين .. ومن على شاكلتهم دون مسميات ، فى جلبابهم الابيض وعيونهم التى تتقد غضبا كالجمرات بلا مناسبة ، لتشعر الاخرين انهم خوارج او مرتدين ، تتوسع دائرة الاتهام فى هذا الوجه الاخر للعملة ، من عدم الصلاة ، مقاطعة المساجد ، عدم اطلاق اللحية او ارتداء الجلباب ، عدم ارتداء النقاب او الخمار ، تهمة زيارة الاضرحة ، السكنى بجوار سافرات او متهمات بالسقوط او حتى تسكينهم بالديار ، وغيرها من تهم اللادينية او اللاتدين الظاهرى من تكفير ووجوب تطهير وتهجير للمتهمين بعصيان الله " طبعا من وجهة نظر اصحاب الجلابيب البيض " الذين يرون فى انفسهم دون غيرهم انهم المتطهرين فى الارض .

العسكرى الاسود خلعه الشعب المصرى بقدرة قادر بعد الثورة ، فعقد الامن صلح التحرير مع الشعب ، وهو صلح نتمنى الا يلعب فيه الامن دور اليهود فى صلح الحديبية فيخونون العهد من جديد ، وتوارت صورة العسكرى الاسود ، مع تفكيك اسطورة امن الدولة ، وتحويل دورها بعيدا عن رقبة المواطن المصرى ، وحدث ذلك بعد اكثر من 30 عاما ذاق فيها المواطن المصرى الامرين من عدم احساسة بالامان فى بيته خاصة ان كان من عباد الله الصالحين ، فكان كل منهم يترقب فى لحظة ان يساق الى امن الدولة كالذبيحة ، لتمارس على انسانيته اشد انواع المهانة والعذاب .

والآن يعيش المواطن المصرى فى بيته ذات احساس " اللا امان " ولكن هذه المرة خشية ان يتهم فى دينة بانه كافرا او منقوصا ، بعد ان استوحش فجأة اصحاب الجلابييب البيض ، فى عهد اطلاق الحريات المشبوه لهؤلاء ، واعطائهم " الضؤ الاخضر المثير للريبة " لانه يعملوا وينتشروا فى حرية بكل امان لنشر افكارهم واتهاماتهم للشعب ، فهذا كافر ، وهذا صابئ ، وهذا زنديق ، وهذه فاجره ، وهذا وهذا..قائمة التهم هذه المرة اطول واخطر والعقاب أشد وأبشع ..

وبعد ان كان هؤلاء قديما يختبئون من العسكرى الاسود ، باتوا ينشرون الرعب فى الاحياء والحارات والازقة ، شاهرين سلاح التكفير والتنكيل والتهديد بالويل والثبور ، واهونها انتظار عذاب الاخرة ونار جهنم التى نحن فيها جميعا ملقون ، اذا لم نطع اوامرهم ، ونسير تحت اكمام جلابيبهم ، لنتنسم من رائحة عرقهم اطاييب رائحة الجنة ، ومن ترهاتهم وفتاويهم ذكر الله الحكيم .

وها هم اصحاب الجلابيب البيض بخطواتهم الثقيلة يخرجون فى جنح الظلام يخطفون القبطى فى قنا ويقطعون اذنه ويحرقون سيارته وشقته ، وها هم يخرجون ليلا فى قليوب ويهدمون الاضرحة لبعض المشايخ بالفؤوس والشوم بزعم ان الناس تزور الاضرحة وتتبرك بها تقربا الى الله ، وان هذا شرك بالله ، رغم ان الدين الاسلامى يعتبر زيارة المقابر ان صح وكانت هذه الاضرحة مقابر لرجالات دين او مشايخ سابقين ، يعتبر الاسلام زيارة المقابر نوعا من العظة وسبيلا لترقيق القلوب ، فمن الذى اوحى لاصحاب الجلابييب البيض ان من يزور قبرا او ضريحا لشيخ ، انه يتخذ من هذا الضريح قربة لله او واسطة للقضاء حاجة ، هل دخلوا بين قلب المرء وربه ليصدروا مثل هذه الاحكام ، كما ان مجمع البحوث الاسلامية نفسه ادان فعلة هؤلاء من هدم للاضرحة ، فهل مجمع البحوث الاسلامية ايضا كافر ومشرك بالله ، اما ماذا افيدونا افادكم الله ..

 وها هم قادة الصوفية يدخلون صراع المواجهة مع السلفيين للدفاع عن مساجدهم من العنف الذى يمارسه هؤلاء بطابعهم السياسى الصارم ، ويعلم الله وحده اين ستقودنا هذه المواجهات الدينية التى لم يكن يعرفها المواطن المصرى ، وها هم الشيعة يصعدون من اصواتهم طلبا للحماية ، وفوق هذا وذاك ، يبرز علينا وزير الخارجية نبيل العربى ليعلن دون سابق انذار انه سيسعى لتوطيد العلاقات واعادتها مع ايران ورئيسها احمدى نجاد ، ومع حزب الله فى لبنان ، الامر الذى يعزز المخاوف بان صراع دينى طائفى قادم لمصر بقوة ، وسيغرقها فى مستنقعات من الدماء ، دماء الشعب المصرى الطاهر ناهيك على الفتنة بين المسلمين والاقباط التى لا تزال تطل علينا كل يوم واخر بنذر الدمار . والبشرى الذى تهز القلوب وتروع نفوس المصريين الان ، هو فتح الباب لعودة عناصر الجماعات الاسلامية الفارين للخارج منذ اعوام طويلة من العدالة واحكام القضاء الصادرة ضدهم ، ومنها احكام الاعدام والسجن المؤبد ، لتورطهم فى جرائم قتل وغير قتل .

 والانباء تشير الى عودة ثلاثة الاف من قيادات الجماعات الاسلامية ، ممن كانوا يعيشون فى افغانستان ، ايران ، الصومال ، البوسنه ، وكل اسم دولة من هؤلاء كفيل بان يثير لدينا مخاوف الارهاب الاسلامى والذى يرتكب زورا وبهتانا باسم الاسلام ، فهى دول كان يتم خلالها استقبال هؤلاء واحتضانهم وتدريبهم على كافة انواع القتال والعنف بل الارهاب ، والمجتمع الدولى ومصر تعلم ذلك تماما ، تعلم الكثير عن معسكرات التدريب التى كانت تحتوى هؤلاء ، والذين سيعودون لمصر بتفكير اكثر تطرفا واكثر عنفا ودموية ، جراء ما عايشوه وتعلموه وتدربوا عليه فى معسكراتهم التى تعدهم للجهاد .. الجهاد .. الجهاد .

ولا اعنى بالطبع هنا جهاد التى ادت دورها الفنانة لبنى عبد العزيز ، لانه لن يكون هناك " سلامه " فى عودة هؤلاء لمصر ، ولكن اعنى الجهاد بمفهومه المترسخ فى نفوس هؤلاء . ولا اعراف السر وراء جرأة هؤلاء للعودة الان الى مصر ما بعد الثورة ، وما هى دوافعهم للعودة فى هذا التوقيت ، وعلى اى اساس او اى صفقة سرية سيعقدونها مع اولى الامن والعدل فى مصر ليعودوا ، وعلى اى سند قانونى سيتم التصالح مع القضاء واسقاط الاحكام ، وهل الاحكام سقطت بمضى المدد ، مع علمى ان الاحكام العسكرية لا تسقط بالتقادم ، ولماذا يعودون فى هذا التوقيت بالذات التى تشهد فيه مصر حراك مشبوه من السلفيين والجماعات المتشدده ، وما هو الطريق الذى تسير اليه مصر الان من تكتل هؤلاء وهؤلاء من اصحاب الجلابيب البيض مكفرى المجتمع المصرى .

 اتمنى وغيرى الملايين ، الا نعود مجددا الى عهد الخوف ، عهد الخطوات الثقيلة وطرقات الرعب على ابواب بيوتنا ، وانتزاع الابناء والاباء من فراشهم ، ليس لسجنهم او تعذيبهم ، لا بل لقتلهم بتهم الكفر والصبؤ او غيرها من التهم العظام ، الا نعيش عهدا جديدا من الرعب والخوف بسبب اصحاب الجلباب الابيض كما عشناه فى عهد العسكرى الاسود ، فمن عسكرى اسود لجلباب ابيض يا قلبى بل قل يا شعبى لا تحزن ، لان عهد الجلباب الابيض سيلزمه الف ثورة كثورة التحرير للتخلص من هذا الرعب ، فاقسى واسوأ انواع الرعب يمكن ان يعيشها الانسان تحت ستار الدين ، خوفا ممن يحكمونه او يحاكمونه باسم الدين وفقا لشريعتهم لا شريعه الله .

وأنا لا أعتقد ان الشعب المصرى الذى عرف بتدينه الفطرى المعتدل بين شعوب العالم كلها ، لا اعتقد انه كتب عليه ان يعيش متنقلا من رعب الى رعب ، من عهد عسكرى اسود الى عهد جلباب ابيض يشهر فى وجهه السيف او البندقية او حتى الشومة باسم الله ، اعتقد اننا تعلمنا كثيرا من اخطاء الماضى ، ولن ندع احدا يرعبنا او يخيفينا تحت اى اسم ولو كان باسم الدين ، لاننا نعرف الله ، ولا نحتاج الى من يقودنا بحد السيف الى معرفته ، ولان الله امر رسوله ان يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنه ، وان يذكر لانه ليس على عباد الله بمسيطر ، اللهم بلغت اللهم فاشهد .


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية