انتشرت فى الموقع الاجتماعى الأشهر –الفيس بوك- منذ أيام دعوى للمصريين بالتظاهر والاحتجاج أو للثورة على حد قول البعض فى 25 يناير الذي يوافق العيد الرسمي للشرطة المصرية.

وانقسم الشباب الذى يمثل الغالبية الكاسحة من مرتادى الموقع إلى فريقين الأول: مؤيد بحماس محموم للفكرة ويدعو ويحرض للنزول للشارع بكل قوته بلهجة يغلب عليها الاستعلاء الواضح والوصاية والتوجيه باعتبار أن من يقرر النزول والاحتجاج فى هذا اليوم أفضل وأكثر ايجابية ووعياً وحباً للبلد من غيره، والآخر الذى لا يجد جدوى من النزول السلبى فى نظرهم.

حتى لا نكون "القلة المندسة"

والملفت للانتباه أن تطرف بعض هؤلاء المؤيدين داعين مؤسس مجموعة "خالد سعيد" الذى راح ضحية اعتداء رجال الشرطة فى الاسكندرية منذ شهور إلى حذف التعليقات الرافضة للتظاهر!.. وهو ما يعنى أن المنادين بالحرية أنفسهم لا يعترفون بحرية الآخرين فى اتخاذ مواقفهم وقرراتهم وفق قناعاتهم، وهو الأمر المدهش فى الموضوع!.

ويؤكد هؤلاء أنه من مسئوليتهم أن يثوروا من أجل الفئة الفقيرة التى تعيش فى أسوأ الظروف فى العشوائيات وغيرها، وهى الفئة الأقل حظاً فى التعليم -لو حظيت به -والتى تعيش تحت خط الفقر، والأمر الكارثي هنا أن هذه الفئة تحديداً والتى ترجعها الإحصائيات إلى 15 مليون مصرى يعيشون فى العشوائيات لا تشعر أن هناك مشكلة من أساسه، ولديها قناعة أن الفقر وسوء الأحوال المعيشية قدر مفروض عليها لا فكاك منه ولا سبيل لتغييره، ولا تفكر مجرد التفكير فى الغضب لنفسها على أوضاعها المتردية التى قد تصل لعدم وصول المياه النقية لهم، إن أعظم أحلام بعضهم –بصدق- أن تصله المياه فى منزله!، وليس لدى هذه الفئة أى رغبة حالية للاحتجاج أو رفض واقعها وإعلان غضبها عن النظام، فلو كان هذا الموقف موجوداً لشهدنا أى حركة أو خروج لهؤلاء، ولكن هذا ما لم يحدث حتى الآن.

والسؤال الآن ما معنى أن تخرج فئة هى الفئة النخبوية المثقفة لتدافع عن حقوق فئة أخرى؟.. أعتقد أن هذا لن يجد المصداقية الكافية لدى النظام، ولا حتى المتابعين للموقف، فالأمر أشبه بمن يصرخ فى أحدهم يدك مكسورة، فى حين ينظر له صاحب اليد المكسورة قائلاً بتعجب: ولكنها سليمة!.

عدم خروج الفئة المظلومة حقاً من المصريين سيعطى النظام الحجة المعتادة كى يلقى عباراته المحفوظة من قبيل: إنها القلة المندسة!، ولن يتعامل مع المطالب بالجدية المطلوبة.

الأمر يحتاج لخروج هذه الفئة المظلومة الفقيرة المعدمة، وهو ما يحتاج وعى وثقافة مفقودة لديها، وهذا المطلوب منا جميعاً وممن امتلك حظاً من الوعى والتعليم والثقافة، الأمر بحاجة لسنوات طوال من العمل على إخراج هذه الفئة مما هى فيه، نحن بحاجة لتنمية هؤلاء البشر أولاً تنمية حقيقية.

ثورة اجتماعية

والأمر بحاجة إلى أن نكون نحن ككل المجتمع خالياً من الأمراض المستعصية التى ظلت تنخر فى عظام المجتمع لسنوات طويلة؛ بداية من التدين الشكلى القاصر، ومروراً بانتشار الرشاوى "على عينك يا تاجر"، وحتى العلاقات الاجتماعية المفككة، وارتفاع نسبة العنف والعنوسة ومعدلات الطلاق الذى وصل لحالة طلاق كل 3 دقائق كما نشر مؤخراً.

نحن بحاجة لثورة داخل أنفسنا وعلى أنفسنا أولاً، على كل مناحى حياتنا الاجتماعية التى طالها فساد عظيم لا أحد يتحدث عنه، الكل يتحدث عن ثورة سياسية واقتصادية ولا أحد يتحدث عن ثورة اجتماعية أبداً!.

لا أرى أن مجتمعاً تتنشر به هذه الأمراض قادراً على أى ثورة من أى نوع، فنحن بحاجة لسنوات من العمل الدءوب على أنفسنا، بحاجة لحب العلم والبحث والقراءة، فالمتعلم سيعرف وحده دون وصاية من أحد ما يجب عليه فعله، وقد سحرتنى إجابة الدكتور مجدى يعقوب حين أجاب على سؤال عمرو الليثى فى برنامج "واحد من الناس": لا وقت لدى للسياسة لقد كرست حياتى لأمرين فقط هما العلم والمرضى!

تخيل لو كل منا كرس حياته لأمر واحد فقط وأخلص فيه، تخيلوا كم مجدى يعقوب سنمتلك.

"يعني إيه حرية؟"

أما التيار الثانى الذى يعارض الخروج للاحتجاج فقد انهال بسخرية لاذعة على هذه الدعوى متهماً الشباب المنادى بها بأنه شباب فارغ لا يعرف شيئاً خارج نطاق الفيس بوك، وهناك من أطلق نكات على شاكلة "يجب أن يحصلوا على تذاكر سينما" أو "أول ثلاثة متظاهرين يصلون ميدان التحرير سيكونون وزراء فى الظام الجديد".

وهكذا، وهو أيضاً ما استفزنى، فإذا كنت ترى أنه لا جدوى من النزول يومها، ولكن لا تسخر من آراء الآخرين وحرياتهم الشخصية فيما يرونه مناسباً للقيام به.

وفى النهاية هذه هى صورة المنادين بالحرية لا يعترفون بحرية الآخرين، فإما يمارس الوصاية على الآخرين أو يسخر منهم، فهل هؤلاء وأولئك يستحقون الحرية حقاً؟، أو هل يدركون معنى ما يطالبون به؟.

والحقيقة أنهم ينادون بالحرية وأشياء أخرى عديدة وواسعة تتمثل فى رفع مستوى المعيشة، والقضاء على البطالة، ورفع الدخول، وتحسين معاملة الشرطة مع المواطنين، وإطلاق الحريات العامة، ووقف تصدير الغاز لإسرائيل، وتنفيذ أحكام القضاء من حل مجلس الشعب وإخلاء الجامعات من رجال الشرطة، وحل الحكومة، ورحيل مبارك رئيس الدولة!.

كل هذا يجعلها أهدافاً غير محددة تثير التساؤلات أكثر مما تجيب على حلول المعضلة التى يعانيها المجتمع المصرى، فعلى الجميع أن يحدد أولياته ويعرف ماذا يريد تحديداً لنعرف أى ثورة نحتاج؟.


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية