طنطاوي

 الجيش هو ملك ومن رحم شعب مصر العظيم، وهو جزء لايتجزأ، وأينما وجدت المسئولية وجدت المحاسبة. والثقة لاتعنى تحصين من يحكم، والنقد لايعنى تخوينه. التقد والمحاسبة ناقوسان لدق أجراس الخطر والمنع من الذلل. والشعب هو الأول والأخير فى الوطن وصاحب المصلحة العليا ولا جيش من غير شعب، لكن تكون أحيانا شعوب بلاجيوش، وتمثل حالة الدولة الناقصة.

جيشنا العظيم الذى تحمل عبء الدفاع عن الوطن واستقلاله، وكانت طليعته دوما وفى أحلك ظروف الفساد والاستبداد تحمل أرواحها على أكفها وتدافع عن حدود الوطن وعن حريته واستقلاله، فعلها الزعيم أحمد عرابى ورفاقه فى عام 1981. أخفقت ثورة عرابى بفعل الخيانة لكنها تركت أثرا وجينات ثورية يتوارثها الجيش المصرى، جينات ترفض الظلم والاستعباد والتوريث.

بدت تلك الجينات واضحة فى الضباط الاحرار الذين صنعوا ثورة يوليو 1952 بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر، وصار الجيش عنصر أمان وثقة فى حماية أمن الدولة داخليا وخارجيا بعد تحويله هويمة 1967 إلى نصر فى عام 1973. منذ ذلك التاريخ والجيش المصرى محط اهتمام العالم تقديرا من الدول الحرة، وخشية وخيفة من الدول الاستعمارية، وكانوا حريصين على تغيير هوية الدولة المصرية وتحويلها من عربية إلى ولاية تابعة للولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها الكيان الصهيونى المحتل فلسطين عبر معاهدة الاستسلام المدعوة بمعاهدة السلام بين الكيان الصهيونى وأنور السادات رئيس مصر فى السبعينات.

واستمرا لنهج سلفه السادات عمل الطاغية المخلوع مبارك (1981- 2011) على تغيير العقيدة القتالية للجيش المصرى، وتغير الكيان الصهيونى من العدو الرئيسى إلى الصديق الأوحد للنظام المصرى الذى حاول اختزال الدولة فيه، وأمر القائد الأعلى آنذاك (الرئيس المخلوع مبارك) بمشاركة القوات المسلحة فى مناورات قتالية مع الجيش الأمريكى علنا وربما الجيش الصهيونى سرا. تململ الجيش العظيم من هذه التصرفات الغريبة على تغيير عقيدته، تحرك أبناؤه، وحاولوا تطهير صفوفهم من قياداتهم العليا الخائنة، لم يفلحوا استشهدوا وطويت صفحتهم، وقريبا سنعرفها جيدا.

كيف لقائد أعلى وقائد عام للقوات المسلحة أن يوافقوا على اعتماد أمريكا مصدرا رئيسيا ووحيدا لتسليح الجيش المصرى، وامريكا هى الحليف والداعم للكيان الصهيونى بلاحدود؟ واليوم انقض الجيش الأعلى للقوات المسلحة على الثورة، وادعى أنه الحامى والداعم لها، ويوما بعد يوم تتكشف الحقائق، وبألفاظ مهذبة يمكن التعبير عن حال المجلس الأعلى للقوات المسلحه بأنه يعمل عمل نطاقات الموائمة، ونطاق الموائمة فى علوم الجيولوجيا هو نطاق يوائم بين نقيضين ليجعلهم فى حالة متجانسة، ويمكن وصف أدائه بالمجلس المحايد الذى يريد التوفيق بين القديم والجديد، قديم يتمثل فى نظام بائد يريد المحافظة على مصالحه من خلال وجوه جديدة وجديد يتمثل فى الثورة واستحقاقاتها الفورية المشروعة أهمها محاكمة الرئيس المخلوع وأسرته ونظامه فورا والعزل السياسى لكل من أفسد الحياة السياسية وهم معروفون وجميعهم أعضاء فى الحزب الوطنى. والمحايد يختلف عن صاحب المصلحة، المحايد يعنية الحلول الوسط والحصول على الرضا من كلا الطرفين المتصارعين، والمحايد لالون ولاطعم ولارائحة له.

ممارسات المجلس الأعلى للقوات المسلحة غير المسئولة زادت عن حدها، وللأسف حتى الآن مازالت عاجزة عن إقرار الأمن وترفض إقالة قيادات المؤسسات التى تسببت فى خراب مصر وتعمل على اضطراب الحياة العامة حاليا، والمجلس العسكرى حتى الآن لم يحل المشاكل الفئوية ولم يطالب رسميا باستعادة الأموال المنهوبة، لايريد الاستجابة للعاملين بمؤسسات الدولة الذين يريدون اقالة قياداتهم الفاسدة، ويطالب المعتصمين بالعودة للعمل مع نفس قيادات المؤسسات الفاسدين الذين سرقوا الدولة ومازالوا فوق رؤوسهم، نفس سياسة العناد التى كان يستخدمها الرئيس المخلوع مبارك، ولا ندرى لمصلحة من هذا العناد؟ وكأن الدولة لايوجد فيها إلا القيادات الفاسدة لإدارة المؤسسات.

بطريقة غير أمينة وضع المجلس الأعلى للقوات المسلحة (المادة )60 من الإعلان الدستورة محل المادة 189 من التعديلات الدستورية بعد تغييرها، حيث منحت المادة 60 من الإعلان الدستورى المجلس الأعلى للقوات المسلحة حق دعوة الأعضاء غير المعينين من مجلسى الشعب والشورى لانتخاب جمعية تأسيسية لإعداد دستور جديد للبلاد، وهو مالم يكن موجودا ضمن المادة 189 المعدلة والمستفتى عليها فى 19 مارس (ومرفق نصوص المواد: 189 فقرة مضافة، و 189 مكرر من التعديلات الدستورية، والمادة 60 من الإعلان الدستورى للتأكد والمقارنة).

(مادة 189 فقرة مضافة: ولكل من رئيس الجمهورية، وبعد موافقة مجلس الوزراء، ولنصف أعضاء مجلسى الشعب والشورى، طلب إصدار دستور جديد، وتتولى جمعية تأسيسية من مائة عضو، ينتخبهم أغلبية أعضاء المجلسين من غير المعينين فى إجتماع مشترك، إعداد مشروع الدستور فى موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويعرض رئيس الجمهورية المشروع خلال خمسة عشر يوما من إعداده على الشعب لإستفتائه فى شأنه، ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه فى الاستفتاء.

 المادة 189 مكررا: يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسى شعب وشورى تاليين لإعلان نتيجة الاستقتاء على تعديل الدستور لاختيار الجمعية التأسيسية المنوط بها إعداد مشروع الدستور الجديد خلال ستة أشهر من انتخابهم، وذلك كله وفقا لأحكام الفقرة الأخيرة من المادة 189.

مادة 60: يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسى شعب وشورى فى اجتماع مشترك ، بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ، خلال ستة أشهر من انتخابهم، لانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو، تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد فى موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويعرض المشروع، خلال خمسة عشر يوما من إعداده ، على الشعب لاستفتائه فى شأنه ، ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه فى الاستفتاء).

ومادام المجلس العسكرى كان ينتوى المشى بطريقته والعمل بمزاجه لماذا كانت التعديلات الدستورية ولماذا الاستفتاء عليها؟ هذا استهتار بالشعب وعمل لايليق بمن هو مؤتمن على ثورة دمائها لم تجف بعد. تورط المجلس العسكرى من خلال من انتقاهم لإدارة مظاهرات الثورة فى تعذيب المواطنين وانتهاك عرض الفتيات والكشف على عذريتهن بطريقة سافلة وقحة لايرتضيها أى حر لبناته كما أنه ليس مخول بهذا، وهذه انتهاكات لم نشهدها فى عهد السفاح العادلى ولا الطاغية مبارك، وإذا كان الهدف هو استغلال احترامنا للقوات المسلحة، والصبر على سوآت المجلس العسكرى الحاكم، والندم على فترة الرئيس المخلوع والمطالبة بعودته من أجل أمان كاذب، فإننا نقولها وبأعلى صوتنا لن نندم على عصر الطاغية ولن نطالب بعودته، وسننطالب برحيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى خيب ظننا وانتهك أعراضنا وعمل ومازال يعمل لصالح النظام الذى عينه.

المجلس العسكرى ليس هو القوات المسلحة، وهى قيادات للقوات المسلحة معظمها تجاوزها الزمن بالقانون من حيث العمر والحالة الصحية، ونطالب بمعرفة ممتلكاتهم من خلال إقرارات الذمة المالية.

ونطالب أولا بتطهير المجلس العسكرى ممن ينتمون إلى العصر البائد، ونهيب بالكتلبة الصلبة والأغلبية الكاسحة من القوات المسلحة أن تحافظ على ثورة أشقائهم وأبائهم وبائهم وتعمل على تحقيق مطالب الثورة.

الجيش جيشنا، والمجلس العسكرى ليس مننا، وأخشى أن يستهلك الوقت ويورطنا فى اشياء قادمة كى يتنصل من تحقيق مطالب الثورة بادعاء الحفاظ على الأمن القومى المصرى. وحذار للنخب الوطنية ألا تشارك فى استهلاك الوقت من خلال اجتماعات فى مجلس الوزراء لايحترم توصياتها المجلس العسكرى ذلك المجلس الذى غير فى مواد دستورية تم الاستفتاء عليها، ومن يفرط فى ذرة لايؤتمن على ذرة.

زمن الخوف مضى ولاحصانة لأحد ونحن لسنا بأفضل ممن عذبهم المجلس العسكرى وانتهك عرض فتيات الشعب المصرى. شباب القوات المسلحة مصر أمانة فى أيديكم، وهى فى انتظار تصحيحكم لاوضاع بدا اختلالها واضحا. فيرحل المجلس العسكرى مادام غير قادر على حماية أمن المواطن وغير قادر على تحقيق مطالب الثورة.

 د.يحيى القزاز صباح 1 أبريل 2011


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية