نعيش وهماً ليس جميلاً،ونحاول أن نقنع أنفسنا أننا الأفضل والأكثر بصيرة وفضيلة،ولكن سرعان ما تسقط كل الادعاءات والأكاذيب بمجرد حدوث عامل خارجى غير مقصود يعرى الحقيقة،و"يشلح" ضعفنا وخيبتنا الثقيلة!

أصحاب المقام العالي في ماسبيرو أقنعونا منذ سنوات أنهم يعملون من أجلنا طوال العام،ويصرفون من خزائن المال العام مئات الملايين من أجل عمل مسلسلات تعرض فى شهر واحد "رمضان" ثم يصبح علينا أن نتجرعها بعد ذلك بقية شهور السنة ،حيث يعاد عرضها عشرات المرات بدون كلل أو ملل.

وإذا سألنا أحد أصحاب الكروش المنتفخة والعقول الفارغة، طب يا حاج ليه مابتفكروش فى عمل مسلسل دينى،ماهو شهر رمضان ده شهر بركة؟؟ سوف تنتفخ أوداجه قبل أن يجيب إجابة الحكيم الواثق ،أصل المسلسل الدينى بيتكلف كتير ومابياكلش مع الناس !!

 خلينا أحسن فى االحاجه زهرة،والست سماره وشفاعات بإعتبار ماهو آت ! ويشاء ربك الكريم أن يفضح أكاذيب إدعاءاتهم وغباء منطقهم وضحالة تفكيرهم ،وتقوم محطة "ميلودى" فى نوبة صحيان ضمير وهى تتحدى قلة الأدب ،وتعرض المسلسل الايرانى يوسف الصديق !ورغم أننا لسنا في رمضان ولا شوال ولكن في ذي القعدة،إلا أن المسلسل أحدث زلزالا بتاع سبعة ريختر كده،في كل بيت مصرى،حتى أصبح حديث الساعه بين كل طبقات الشعب،وكالعادة فإننا نترك للأخرين مهمة الإبداع والإنجاز والتفوق ، ونكتفى نحن بإصدار الفتاوى وتقديم استجواب فى مجلس الشعب ،الذى يترك مشاكل إرتفاع ثمن القوطة واللحمة ،وأهرامات الزبالة التى تملأ الشوارع ،ويتفرغ فى التربص بمسلسل يوسف الصديق ،بإعتباره حا يخرج الناس من دينها!وأزاى نعرض مسلسل بيظهر فيه أحد أنبياء الله! وكل واحد مش لاقى حاجة يعملها يقوم وينام ويطلع فتوى معتقدا أنه يملك حق المنع والمصادرة،والحمد لله أن الخواجات عملوا الانترنت واتاحوا لأى عيل أن يقوم بتحميل المسلسل كاملا بحلقاته ال"45"،التى يمكن أن تشاهدها فى يومين تلاته دون أن تشعر بلحظة ملل واحدة،بل صدقنى إن حياتك سوف تتغير الى الأفضل لبعض الوقت.

وسوف تزيد معرفتك بحياة هذا النبى الجليل،بل سوف تحصل على جرعة مكثفة وعظيمة من الموعظة الحسنة،وتعرف كثيرا فى أمور السياسة والاقتصاد والتاريخ،مضافا اليها متعة متابعة عمل فنى أخلص صناعه فى عمله فجاء قريبا من مرحلة الكمال،ولو أن الكمال لله وحده!

وسوف تقول لنفسك إذا كنت معتادا على الحديث اليها "يانهار أسود العالم دي،بتعمل كده إزاى؟وأين نحن منهم ؟ وكيف لهم أن يقدموا صورة عظيمةعن تاريخ  مصروحضارتها ونفشل نحن فى تقديمها رغم كل مانصرفه فى مجال الدعاية والترويج !

إذا كنت ممن تابعوا المسلسل أو فى نيتك أن تشاهده"إنتهى عرضه على قناة ميلودى منذ عده أيام" فسوف تدرك تلك الحقيقة التي عرفها المصريون من خمسة آلاف سنه تقريبا،وهى أن زراعة القمح قضية أمن قومى ،وأن الله تعالى قد أرسل نبيه يوسف الى مصر،ليكون سببا فى انقاذها من سنوات القحط الطويلة،وأن مؤامرة أخواته عليه،كانت وبالا عليه وعلى والده نبى الله يعقوب "لبعض الوقت" ولكنها كانت رحمة لشعب مصر.

ولكننا لأسف أضعنا بغشومية كل إنجازات يوسف الصديق من أجل كهنة المعبد الذين قضى عليهم يوسف ولكنهم عادوا بأقنعة مختلفة،والغريب فى الموضوع إنك سوف تتأكد أن بعض الغزاة كانوا أكثر رحمة على المصريين من الفراعنة الذين حكموهم لآلاف السنين بالسخرة،ولم يصنعوا إلا أمجادا لحسابهم الشخصي كى يعيشوا فى رخاء ومتعة فإذا ماتوا أخذوا معهم الذهب والفضة وبقية الثروات لتدفن معهم فى قبورهم ،كى يعيشوا فى رخاء ومتعه فإذا ماتوا أخذوا معهم الذهب والفضة وبقية الثروات لتدفن معهم فى قبورهم قال إيه"عشان لما يرجعوا للحياة يجدوا ماسرقوه من الشعب الغلبان لايزال بخيره،فيستمروا فى الحياة الرغدة دنيا وآخره،أما بقية الشعب فلامانع أن يموت جوعا ولايجد حتى ثمن الكفن" !

جاء يوسف الى مصر وهو صبى صغير السن،بعد أن ألقاه أخوته فى الجب فى منطقة نائية لايمر بها مخلوق نظرا لندرة الآبار فيها بإستثناء بئر عميق به ماء مالح غير صالح للإستهلاك الآدمي ولكن قدرة الله تعالى جعلت ريحا عاتية تهب فجأة فتحول مسار الى القوافل من طريقها الذى كانت تسلكه ووجدوا أنفسهم أمام البئر الذى القى فيه يوسف ،والتقطه بعض السيارة "قافلة من التجار" وإصطحبوه معهم الى مصر،وباعوه فى سوق النخاسة فاشتراه عزيز مصر،ليعيش ويتربى فى كنفه،وقد وقع فى هوى الصبى كل من رآه،لجمال وجهه أولا ولحكمته وأدبه وحسن خلقه وقدرته على تأويل الاحلام وهى ميزة أو مكرمة خصه الله بها عن بقية خلقه،فكانت مصدرا لقوته وسببا لرفعه شأنه ،واستطاع قبل أن يكمل الثلاثين أن يتبوأ مكانه شديده التميز ،بعد أن قربه حاكم مصر اليه وأطلق يده ليحل مشاكلها الاقتصادية فى سنوات القحت وضعف منسوب مياة النيل،مما أدى إلى هلاك الزرع والضرع "البهائم والمواشى "!

وبعد أن عاش سنوات  طويلة من الضعف والذلة قضاها فى السجن بعد مكيده زليخة ،رفع الله من شأنه وأصبح المهيمن على شؤون الحياة فى مصر،يهتف الناس بحياته ويهللون له كلما ظهر بينهم،ولولا أن حاكم مصر كان من الغزاه الهكسوس ،ولم يكن من حبايبنا الفراعنة إياهم  لكان قد لقى نفس المصيرالذى لقاه المرحوم "خالد سعيد "!

أما أهم ماقدمه النبى يوسف لشعب مصر،فكان أن هداهم الى عباده الله الواحد،بعد أن كانوا يعبدون الأوثان "الإله آمون" وقضى على كهنة معبد آمون ،رغم قوتهم وبأسهم وسيطرتهم على عقول الناس وأموالهم أيضا! أما السياسة الاقتصادية العبقرية التى إستخدمها يوسف الصديق للخروج من أزمة السبع سنوات العجاف ،التى سبقتها سبع سنوات رخاء ،فهى إدخار حبوب الحنطة فى خزائن معدة بشكل هندسى يمكن فسادها لسنوات طويلة،واصدر قانونا يحتم على كل مزارع أن يبع محصول الحنطة "القمح" الى حكومة مصر،أما من يقوم ببيع القمح لحسابه فهو وشأنه ولكن لن يكون له نصيب من القمح إذا فشل فى تخزينه بشكل صحيح ،وفى نفس الوقت اطلق رجاله لعمل إحصائيات سليمة لرصد عدد الأسر المصرية فى جميع أنحاء البلاد،بأسمائهم ووضعهم الاقتصادي ،وأستغرق الأمر سنوات،فإذا ما جاءت سنوات القحط وقلة الرزق وفساد الأرض بحيث أصبحت عاجزة عن إنبات الزرع،لجأ الناس الى الدولة للحصول على القمح.

أما الأغنياء فكانوا يشترون القمح بالمال،فإذا نفذ منهم المال،يشترونه بالذهب والفضة،فإذا نفذت يشترون القمح بما يمتلكونه من بهائم "ماشية وأبقار " فإذا نفذت يشترونه بما يملكونه من عبيد وأراضى وعقار ! بحيث أصبح أثرياء البلد "من الحرامية"لايملكون شيئا وقد ذهب كل مايملكونه للدولة وأصبحت هي المسيطر على شؤون العباد وتم القضاء على فكرة العبودية بعد بيع العبيد للدولة التى قامت بدورها بتحريرهم جميعا ومنحهم فرصة للعمل مقابل الحصول على القمح مجانا مثلهم مثل الفقراء وهذا حقهم على الدولة!

ولأن القحط ضرب بقية البلاد المجاورة لمصر،فكان على أهل تلك البلاد اللجوء لها صاغرين للحصول على القمح وشرائه بنفس الطريقة،مما جعل مصر من أقوى دول المنطقة،وجعل الدولة المصرية تسترد هيمنتها على أراضيها وثرواتها بعد أن كانت فى أيدى حفنة قليلة من الأثرياء وكهنة معبد آمون!

 وبعد أن استقرت ثروة البلد كلها فى يد يوسف الصديق وإنتهت الازمة والسنوات العجاف،قام بتوزيع الارض على من يزرعها وهو مايطلق عليه إعادة توزيع الثروة !

وكان يوسف فى بداية حياته يحلم بأن يقلب النظام الاقتصادي والاجتماعي فى مصر بحيث يجيب عاليها سافلها،وقد فعل فى أقل من عشرة سنوات،لتصبح مصر فى عهده من أقوى دول المنطقة وأكثرها خصوبة واستقرارا اقتصاديا،وكان عليه أن يرسل الى أهله فى كنعان ليحضروا الى مصر ويعيشوا معه فى ظل هذا الرخاء وخرج الشعب المصرى عن بكرة أبيه لاستقال نبي الله يعقوب وابنائه وأحفاده والترحيب بهم "إدخلوها بسلام آمنين".

أما حكاية يوسف مع زليخة امرأة العزيز فهذه قصة أخرى كنا نعرف بعض بعض تفاصيلها ونجهل كثيرها ،وقد أفرد المسلسل لها قرابة عشر حلقات ،يسبقها علاقة يوسف طفلا بإخوته الذين تآمروا عليه وألقوه فى الجب،بعد أن تنازلوا عن فكرة قتله،وذلك بعد أن استبدت بهم مشاعر الغيره والحسد،ليس فقط لأنه كان أكثر قربا لقلب والدهم نبى الله يعقوب ولكن لان الله أنعم عليه بجمال الخلقة والحكمه والبصيرة وبشره أنه سيكون نبيا !

مسلسل يوسف الصديق من أكثر الأعمال الفنية التى تابعتها فى الاعوام الاخيرة متعه وكمالا،وهو من تأليف وإخراج فرج الله سلحشور الذى تخصص فى تقديم المسلسلات الدينيه وسبق له أخراج مسلسل أهل الكهف وكان يشرع فى تقديم حياة نبى الله يونس فى مسلسل تليفزيونى قبل أن تطلب منه الشركة المنتجة إعداد مسلسل عن يوسف الصديق ،فإستعان بجيش من الباحثين قوامه عشرين رجلا،استغرقوا أربعة أعوام فى دراسة كل ماجاء فى القرآن الكريم وأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام،وكتب العهد القديم والاسفار وقدموا له ثمانية آلاف ورقة من المعلومات الصحيحة ، قوام بكتابة السيناريو فى 45 حلقة ، ثم بدأ فى البحث عن الممثل الذى يلعب دور يوسف الصديق أو "يوزارسيف " كما اطلق عليه أهل مصر،وتقدم له مايزيد عن ثلاثة آلاف شاب اختار من بينهم مصطفى زمانى وهو شاب لم يسبق له التمثيل ولكنه يمتاز بحسن الطلعة"أحلى من مهند".

ولو كنت ممن تابعوا المسلسل فقد تعتقد انه ولد خصيصا لكى يلعب هذا الدور،أما دور زليخة فقدمته الممثلة الايرانية" كتايون رياحى" بينما لعب الممثل "محمود باك نيت"  دور نبى الله يعقوب،ولعب دور عزيز مصر "بوتيفار" الممثل "جعفر دهقان"،أما الصبى يوسف فقد لعبه حسين جعفرى واختاره المخرج ليكون شديد الشبه بمصطفى زمانى !

طبعا النسخة الايرانية التى عرضت لأول مرة فى عام 2008،جاءت ناطقة باللغة الفارسية ، وقبل عرضها على بعض القنوات العربية مثل الفنار والكوثر،ثم تم دبلجتها بأصوات عربية ،بعد إعادة كتابة الحوار بالفصحى،وهنا يجدر بنا تحية هذا العبقرى الذى لانعرف اسمه للأسف،فهو لم يقدم ترجمة حرفية للحوار ولكنه خلق ابداعا موازيا شديد الروعة تقترب من لغة الشعر،ولن نستمع تلك اللغة الركيكة التى كانت تسيطر على مسلسلاتنا الدينية فى سنوات مضت ولن تجد جملا حوارية مثل ويحك ياعدو الله وثكلتك أمك،وتعود للغة العربية روعتها وجماله الحقيقي في عبارات لا تنسى فبعد أن أصاب الفقر زليخة وأصبحت امرأة عجوز شمطاء  يسخر منها الناس ،وسقط عنها مجدها وأصيبت بما يشبه اللوثة، وخرجت كل يوم تبحث عن يوسف وتنتظره فى أحد الميادين ربما يمر عليها يوما،يسألها بعض المارة فى يوم شديد البرودة لماذا تجلسين فى الطريق ياسيدتى اليس لك منزل تعودين اليه؟ فترد عليهم ،بلى عندى منزل فى إتساع القصر،وضيق اللحد "القبر" وظلمة الليل وسواده!

هذا الحوار الذى صاغه مبدع حقيقى لايقل عما قدمه الشاعر أحمد رامى عندما قام بترجمة رباعيات الخيام من اللغة الفارسية إلى العربية فأضاف إليها جمالا على جمال ! أما من قدموا الأداء الصوتي باللغة العربية فهم مجموعة من الممثلين أسمائهم لاتعنى شيئا بالنسبة لنا فليس منهم من نعرفه او نسمع عنه ولكنهم ساهموا فى اضافة حالة إبداعية مميزه ومنهم "دانى بستانى" الذى قدم شخصية  يوسف الصديق ،وديانا إبراهيم التى قدمت شخصية زليخة صوتيا ، ومن أهم المشاهد التى أجاد المخرج فرج الله سلحشور تقديمها فجاءت أكثرروعة.

فيديو مرتبط


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية