الارهاب متصلة حلقاته في مشتركات جميعها تأتي من معين الدم والقتل ، وطائفة الحشاشين في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين والتي انطلقت من بلاد فارس إلي الشام هي أول جماعة إرهابية منظمة في التاريخ، بينما داعش هي أخر تلك الجماعات الارهابية أخذت من شطط الحشاشين حتي نجد تطابقا عجيبا بين فكر وأسلوب الجماعتين الارهابيتين.

وربما كان انفجار تنظيم داعش المفاجئ بالمنطقة العربية أكبر حدث أصولي في هذه المرحلة بعد زوال حكم الإخوان بمصر. يتمتّع هذا التنظيم بالتماسك، ووفرة المال، حتى أعادتْنا قوتهم الضاربة إلى قلعة الحشاشين في القرن الحادي عشر والمعروفة بقلعة «آلموت».. كما أن الشخصيات التي تنفّذ وتدير في داعش نسخة مكبّرة من صيغ حراك شخصيات الحشاشين. لا تختلف المنابع بين الحشاشين التي أسسها "حسن الصباح" وبين داعش التنظيم الذي يؤمن بإقامة الدولة الإسلامية النقية التي «لا تشوبها شائبة العصر ولوثة الغرب وانحراف الأمم»، فيجري المحاكمات ويهلك الحرث والنسل من دون هوادة ،وإزهاق الارواح دون مبرر،وإثارة الفزع دون وعي،وقتل النساء والشيوخ ،وحرق كل حياة.. فالجامع بينهما تلك الحالة الدموية التي تحرّكهما، والتدريب الاجرامي والرغبة بالموت وسفك الدماء.

قال المؤرخون عن مؤسس الحشاشين: «إن إيماءة منه كافية لأن تجعل الكثيرين منهم يقفزون من فوق الأسوار المرتفعة فتدقّ أعناقهم وتتحطم جماجمهم ويموتون ميتة بائسة، وهو يؤكد لهم أن أسعدهم مآلا هم الذين يسفكون دماء الآخرين، ويلقون حتفهم بالتالي انتقاما لفعلتهم».

فرقة الحشاشين تطوّر اسمها ومفهومها ليشمل الاغتيال الغامض،غير أن ما تأسس داخل تلك القلعة التي أقامها مؤسس الحشاشين "حسن الصباح"كان مؤثرا على الجماعات الإجرامية ليس في الشرق فقط بل امتدّت تلك التعاليم الدموية إلى أماكن عدة، وقيل إنهم حاولوا اغتيال القائد الاسلامي صلاح الدين الايوبي مرتين ،واحدة عندما تسلل بعض أتباع الحشاشين إلي خيمته ،وأخري وصلوا إليه في لباس جنوده وفي الحالتين نجا صلاح الدين الايوبي.

عن الحشاشين يقال إن مؤسسها "حسن الصباح" نقل نشاطه إلي مصر محاولا السيطرة علي الحكم فيها ولكنه عاد إلي قلعته مهزوما.. وداعش الارهابية تبذل كل محاولة لنقل إرهابها إلي مصر في سيناء ولكن جيش مصر العظيم كان هناك فأذاقهم الهزيمة وأكال لهم ضرباته حتي إختبؤوا في الكهوف فمنهم من قتل ومنهم من هرب ،وسيلحقون بارهابييهم السابقين من الحشاشين.

والملاحظ ان الحشاشين كانوا يعتمدون علي المرضي النفسيين والمدمنين باعتبار أنهم الذين يمكن أن يغرسوا فيهم أفكارهم ليؤمنوا بها، وهو ذات الفكر الداعشي الذي يعتمد علي الاشخاص من ذوي الاختلالات النفسية الذين هم الاسهل باقناعهم بالموت في ظل عدم إكتراثهم بالحياة.

وكان يعتمد طائفة الحشاشين علي تناول مادة الحشيش قبل أن يتلقوا التعليمات ليكونوا خارج منطقة الوعي ،وهو ما يفعله الدواعش بالاعتماد علي التواصل الاجتماعي وسيلة لتوصيل أفكارهم المشوهة إستنادا إلي تفسيرات خاصة بهم للقران الكريم فيصبح المتلقي للتعليمات خارج منطقة الوعي ،وبذلك تصبح السيطرة علي عقولهم واحدة من أهم مايسعي إليه الارهاب الداعشي.

عندما أقام مؤسس الحشاشين حديقة كبري بين جبلين فيها مالذ وطاب وحور العين من أجمل نساء الدنيا يتم تكليف الارهابي بمهمته مقابل أن يعود لتلك الجنة، وهو ما يقوم به الدواعش من أن الارهابي الذي يموت فانه سيذهب إلي الجنة ،وهو ما نشاهده كثيرا في وصية الارهابي قبل أن يقوم بنهمته وهو يتحدث عن الجنة والحور العين في انتظاره.

ثمة صيغ وخطوط تجمع بين الأصوليات بمختلف ألوانها وتشظياتها وتنوع أهدافها، بين الإخوان المسلمين والقاعدة وداعش الكثير من المشتركات التي تجمعهم بتنظيم «الحشاشين».. صيغ الدم والاحتلال والمباغتة والقتل، وثقافة الدماء والأشلاء، كلها إرث ممتد من الوحشية التي يرى البعض أنها هي «طبيعة الإنسان الأول» قبل أن يقلّم أظفاره ويتهذّب، وامتداد فكري للتنظيمات «الانشقاقية» التي تركز على مبادئ الانفصال والتحرك بالفراغات والاقتيات على الأزمات، هذه مشتركات تجمع بين شتى الأصوليات إسماعيلية كانت أو شيعية أو سنية، الأصولية الإسلامية تجمعها خطوط كبرى على مستوى الآيديولوجيا في التفكير والمبادرة الدموية في التنفيذ، لهذا أصبح استحضار حالة «الحشاشين» مهما عند حديثنا عن الارهاب والخلايا التي تعتمد العنف منهجا.

والملاحظ أن القادة لا يكونون بالضرورة داخل المشروع الدموي تنفيذا واقتناعا! فابن الصبّاح مؤسس فرق الموت "الحشاشين"كان منعزلا بقصره ضمن ملذاته، على وقع شعر زميل دراسته عمر الخيام وتشرف على شؤونه ومتعه أجمل النساء .. وصنع على عينه حديقة وصفها المؤرخون بأنها: «أجمل حديقة يمكن أن تقع عليها عين، ملأها بالقصور من أروع ما يمكن، وأقام على خدمة الحديقة فاتناتٍ من أجمل نساء العالم، يجدن العزف على مختلف آلات العزف، يغنين بأصواتٍ رخيمة، ويؤدين رقصاتٍ تخلب الألباب».. وهذا حال المحرّض، الذي يكوّن خلية لاقتحام الموت، بينما هو يسبح بملذات الحياة، وهذا ليس لغزا بل تجدونه بدعاة الموت الداعشيين ومن يقف من خلفهم الذين يغرقون الأبناء في الدم.

من الضرورة أن نعود إلي أصول الارهاب الاولي وابائه لأن إهمالها يعني تكاثرها تلقائيا، وكان لتعقيدات الاحداث في المنطقة العربية ، والتخلي الغربي عن المنطقة، بل وفي كثير من الاحيان دعم هذه الجماعات الارهابية، والتجاوز الدولي عن المشكلات الراهنة أكبر الأثر في تفريخ تلك الخلايا وإعادة إنتاج أتباعها.. بين الحشاشين وداعش عشرة قرون من دون أي تغيير يذكر بالبنية الأصولية الدموية، ثم نتحدث وبجرأة عن «إرهابٍ طارئ» أو «ثقافة دخيلة» هذه هي داعش إنها فرقة من الحشاشين، أو بتعبير أدق إنهم "الحشاشون الجدد.."


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية