حين تصعد إلى الدور الثانى من مبنى البرلمان البولندى فى العاصمة وارسو، سوف تجد فى مواجهتك قائمة بأسماء كثيرة محفورة على الجدار، فإذا حانت منك التفاتة إلى اليمين فسوف تلمح من بعيد قائمة أخرى، ولكنها أقل عدداً!

فإذا اقتربت أكثر من القائمة الأولى، فسوف تلاحظ أن كل اسم أمامه تاريخ محدد، وأن كل التواريخ تقع بين عامى 1939 و1945.

سألت، فعرفت أن القائمة تضم 302 اسم، وأن هؤلاء هم نواب البرلمان الذين سقطوا قتلى أثناء الحرب العالمية الثانية، وأن برلمانهم لم يجد طريقة لتخليد ذكراهم سوى أن ينقش أسماءهم، اسماً اسماً، فى مواجهة كل صاعد إلى الطابق الثانى، فعندئذ، سيعرف الصاعدون إلى هذا الطابق، سواء كانوا من بولندا، أو من خارجها مثلى، أن الدولة البولندية لا تنسى الذين ضحوا من أجلها، وأن نقش القائمة، بهذه الطريقة، هو أبلغ دليل!

أما القائمة التى على يمينك، فتضم 18 اسماً لـ18 نائباً برلمانياً، سقطوا قتلى هم الآخرون فى حادث طائرة شهير فى بولندا عام 2010!

وقفت من ناحيتى أتأمل الأسماء فى القائمتين واحداً واحداً، وأنا أسأل نفسى: كيف كان شكل صاحب هذا الاسم مثلاً، وكيف كانت هيئة صاحب ذاك الاسم، وأين الجميع الآن، وإذا كانت حكومة بولندا تُكرّم نوابها بهذه الطريقة، فماذا تفعل مع جنودها وضباطها الذين يسقطون فوق الجبهة دفاعاً عن وطن؟!

وتذكرت، على الفور، أننى كنت قد رأيت قائمة مماثلة فى واشنطن، قبل سنوات، وأنها كانت أطول بكثير جداً، وأنها تضم 59 ألف اسم، هم الأمريكان الذين سقطوا فى حرب فيتنام!

وكان لابد أن أقارن، فى الحال، بين هاتين القائمتين فى برلمان بولندا، وقوائم أخرى مفترضة عندنا، لضباط وجنود فى جيشنا العظيم، دفعوا حياتهم ثمناً للدفاع عن البلد، فى سيناء، وفى غير سيناء، منذ ثورة 30 يونيو 2013، إلى هذه اللحظة، ولايزالون بكل سخاء، يدفعون!

لقد شيّعت محافظة الدقهلية، صباح أمس الأول، جثمان المجند محمد عبده المحلاوى، الذى سقط بقذيفة هاون أصابت كتيبته فى شمال سيناء، وشيّعت محافظة البحيرة، فى اللحظة نفسها، جثمان المجند مصطفى رشاد سالم، الذى سقط فى انفجار عبوة ناسفة على الطريق الدولى، بين العريش والشيخ زويد!

وقبلهما، شيّعت محافظات مصر الكثير من زملائهما.. فماذا فعلت الحكومات التى تعاقبت علينا، منذ الثورة إلى الآن، من أجل تكريم كل هؤلاء، ومن أجل أن تبقى ذكراهم خالدة فى وجدان كل مصرى محب لهذا البلد؟!

عندى اقتراح محدد، من وحى ما رأيته على جدار برلمان بولندا، هو أن ننقش أسماء شهداء الجيش والشرطة جميعاً، على لوحة كبيرة تتوسط ميدان التحرير، ليعرف كل الذين سوف يمرون من أمامها من بيننا، وكل الذين سوف يذهبون لزيارتها، من خارج البلد، كما زرت أنا برلمان بولندا، أن رجالاً ماتوا يوماً لنعيش نحن!


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية