أمس أكل المصريون الأطنان من الفسيخ والملوحة والسردين.. مع أطنان من الترمس والحمص الأخضر.. والبصل الأخضر والخس والخيار والليمون.. وهي عادة مصرية تعود للأسرة الخامسة الفرعونية.. وإذا كان المصريون القدماء قد أكلوا كل ذلك- يوم الاعتدال الربيعي- فإنهم أكلوه وهو من انتاج بلدهم وناتج عرقهم.

ولكن معظم ذلك- للأسف- أصبح مستورداً.. إزاي؟!

<< أفضل أنواع الفسيخ يصنع من سمك البوري والجرانة والطوبار والسهيلة والدهبانة.. وكذلك السردين.. فهل تصدقون أن مصر الآن أحياناً تأكل بوري مفسخ، مستورد من.. أمريكا، ذلك أن سمك البوري الأمريكي يستورده البعض من أمريكا.. ومنه بوري مبطرخ، يستخرجون منه البطارخ ويباع البوري «الفوارغ» بعدها بسعر رخيص.. أما البوري السليم فالبعض يقوم بتحويله إلي فسيخ.. يطارد الفسيخ البلدي من البوري البلدي.

أما السردين المملح الموجود بالأسواق فإن معظمه أيضاً.. مستورد! إذ انه بانتهاء مواسم فيضان النيل لم تعد ترد إلي سواحلنا إلا الأسماك صغيرة الحجم من السردين- وبالذات- عند إدكو بجوار رشيد، أما الموجود الآن فإنه مستورد من اسبانيا والبرتغال والمغرب حيث تكثر أسماك السردين.. وأحياناً من سواحل عُمان.. ويتم تحويلها إلي فسيخ بعد إزالة تجميدها حيث ترد إلينا مجمدة.. وهات يا تفسيخ!

<< وليس فقط الفسيخ «بوري أو سردين» هو ما نستورده سمكاً من الخارج.. هناك أيضاً الترمس الجاف الذي يعشقه المصري مع الفسيخ أو بعده هذا الترمس نستورده الآن من استراليا ومن اثيوبيا، وتأتي استراليا في مقدمة الدول المصدرة للترمس لمصر.. ومصر استوردت ترمس من استراليا في شهرين فقط بحوالي 300 مليون جنيه! ويعشق المصري الترمس عشقاً رهيباً.

ثم ان مصر تستورد الآن الحمص الجاف.. وروسيا هي أولي الدول المصدرة للحمص لمصر.. وتحتل الهند المركز الثاني بين المصدرين لمصر تليها استراليا في المركز الثالث.. والقليل من الحمص نستورده من لبنان.

<< تري.. بعد أن استوردنا السمك الذي نصنع منه الفسيخ من الخارج وكذلك توابعه الفسيخ.. هل يأتي علينا «شم نسيم» جديد وقد استوردنا أيضاً: الليمون، الضروري للأكل مع الفسيخ.. وبعد أن كانت مصر تزرع الليمون البنزهير في سنانية دمياط وفي بساتين الفيوم.. هل نستورد أيضاً هذا الليمون الذي نستخدمه كمادة مطهرة للمعدة ومقاومة للأضرار الناتجة عن تناول الفاسد من الفسيخ.. ويعدل المزاج: شراباً محلياً رائعاً.

وهل نستورد أيضاً الخس الضروري لتقليل امتصاص المعدة لأملاح الفسيخ.. وهو نبات فرعوني الأصل والنشأة.. وجدنا رسومه علي جدران المعابد الفرعونية.. وأيضاً هل نستورد «الملانة» يعني الحمص الأخضر قبل تمام النمو.. أم ان طول المسافة من روسيا بلد هذا الحمص يمنع استيراده طازجاً من هناك؟!

ويبقي من مستلزمات شم النسيم أن نستورد البقدونس المقاوم للأكسدة.

<< أما عن الرغيف الأسمر الذي يعشقه كل المصريين، وهو الضروري للأكل مع الفسيخ.. فهو نموذج للمأساة المصرية، إذ إن مصر تحتل المركز الأول- علي مستوي العالم- بين مستوردي القمح.. ولا يتبقي هنا إلا أن نحتفل بهذا المركز المتقدم بين المستوردين.. أهو فيه حاجة نحصل فيها علي المركز الأول.. عالمياً! كما ان المصريين أكبر شعب في العالم «كييف شاي» فكوب الشاي هو الحلو الوحيد الأكثر شهرة الذي بقي للمصريين.. ولكل المصريين من عشاق الفسيخ والسردين والملوحة- ولهذه الأسباب- أصبحت مصر من أكبر مستوردي الشاي.. وياسلام علي كوب شاي اسود معتبر.. بعد تناول الفسيخ، فالشاي شيء.. لزوم الشيء.. ولكننا أيضاً نستورده!

طيب.. ماذا يبقي لكي نحتفل بشم النسيم.. من إنتاجنا، أم لم يعد أمامنا إلا أن نستورد المصري.. نفسه؟

<< وأنا واثق أن وزير التجارة- والصناعة- منير بك عبدالنور- لا ينام الليل ويعمل 72 ساعة كل يوم ليحاول أن يوفر للمصريين ما يأكلونه ليس فقط في شم النسيم.. بل علي مدار العام، ويكفي أن مصر تستورد 95٪ مما تستهلكه من زيوت الطعام.

<< آه لو عرف الفراعنة الذين وضعوا لنا طقوس الاحتفال بشم النسيم ان المصريين الآن يستوردون مستلزمات هذا الاحتفال.. أكيد كان الفراعنة سوف «يرقعون بالصوت الحياني» ويخرجوا من ملابسهم المصنوعة من الكتان المصري الأصل، الذي قتلنا أيضاً.. صناعتها وعلي زراعة الكتان نفسه.

<< عفواً منير بك كان الله في عونك.. إنما بالذمة: أكلت فسيخ.. والا لأ؟! وياتري فسيخ مصري أصيل أم مستورد؟!


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية