نحن نعيش فى نكتة! أو على وجه الدقة، نحن نكتة، وقد يتعجب المرء ويقول ما معنى أننا نكتة؟ والحقيقة معنى النكتة واضح يا أستاذ، وحتى لا يذهب عقلك إلى بعيد أقول: إن المسألة سهلة، فالمعنى الذى أقصده هو أننا نحن بذواتنا أصبحنا نكتة! أنا نكتة! وأنت نكتة! وكلنا دون زعل نكته! يعنى ما علينا إلا أن نظهر أمام الأمم الأخرى حتى تستغرق هذه الأمم فى الضحك، بل ومن الممكن أن تهلك أمة من كثرة الضحك علينا باعتبارنا نكتة، طبعاً فينا من هو يعتبر نكته بايخة، وفينا من هو يعتبر نكته أبيحة، وآخر من يعتبر بتعبير العالمين ببواطن النكت نكتة حرّاقة أو سخنة! المهم فى النهاية إننا يا أستاذى كلنا نكت أبناء نكت، ألم تسمع عندما يمتدح أحدنا الأخر بخفة ظله فيقول عنه: إنه ابن نكتة !هكذا نحن، إذن كلنا أبناء نكتة! والأمر لا يتعلق بخفة ظلنا فقد انسحبت خفة الظل منذ زمن بعيد وأصبح الواحد منا "كئيباً مكتئباً عبوسا قمطريراً" ولكن المسألة بصراحة متعلقة بذلك التناقض الرهيب الذى نعيش فى دائرته، والنكتة دائماً هي ابنة المواقف المتناقضة، وإذا كانت المواقف المتناقضة غالباً ما تثير الضحك، إلا أنها أحياناً ما تبعث على الخجل وغالبا ما تبعث على الأسى، ومن الهموم المضحكة أننا "الأمة النكتة" التى تفردت بالشيء ونقيضه فنحن – ونحن هذه عائدة على الأمة كلها – أمة "النظافة من الإيمان" وأمة "إماطة الأذى من الطريق" وأمة الوضوء خمس مرات والغُسل بعد الجنابة والاستحمام يوم الجمعة والتيمم – إذا لم يوجد ماء – ومع ذلك فإن هذه الأمة التى من المفروض أن تكون أمة نظيفة مفرطة فى نظافتها لا علاقة لها بالنظافة! وإذا أردت يا سيدى أن تعرف مقدار نظافتنا فما عليك إلا أن تذهب إلى أحد المناطق العشوائية واتحداك لو خرجت سليماً دون أن تغرق فى مياه المجارى أو تتلوث بما تيسر من القاذورات، أو تهلك فى حفرة أو تتكسر ضلوعك بسبب مطب رهيب، وإذا كان الأمر يقتصر على العشوائيات لقلنا: إن الخطب هين ولكن اخرج إلى أرقى المناطق أو اذهب إلى أحد شواطئنا البديعة أو أماكننا السياحية، أو ضحي بعمرك واذهب إلى الأهرامات، وأنا واثق من أنك ستعود وقد فقدت نصف عقلك من هول ما ستراه، هل هناك أكبر من ذلك؟ نعم أدخل لو كنت بطلاً دورة مياه لأحد مساجدنا العامرة، تلك المساجد التى لا يذهب إليها إلا المتدينون الذين يحرصون على أداء الصلاة فى جماعة، وأنا واثق من أنك ستفر لا من دورة مياه المسجد ولكن من المسجد كله لكى تنفذ بجلدك من المصائب التى يفعلها أصحاب "أمة النظافة" فى مساجدهم. 
أما عن إماطة الأذى من الطريق فقد تغير عندنا إلى إماطة الطريق من الأذى، فالأصل أن الطريق كله أذى، أما الاستثناء فهو تلك المساحة الصغيرة التى من الممكن أن نسير فيها دون أن يلحق بنا الأذى – هذا إن استطعنا السير فى الشارع جدلاً– ونحن أيضا أمة "سورة الحديد" تلك السورة التى أنزلها الله على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فى القرآن الكريم، ورغم فخرنا بهذه السورة إلا أننا للأسف الشديد ونحن أمة "سورة الحديد" لا نحسن التعامل حتى مع الصفيح وتركنا التعامل مع الحديد للأمم الأخرى وأخذنا نتفرج عليهم ونصفق لهم إعجاباً بمهارتهم، ونحن أمة "إتقان العمل" إذ قال رسولنا صلى الله عليه وسلم "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" ومع ذلك فإن أكبر آفة أصابتنا هى الإهمال والتراخى وعدم إتقان العمل، تدخل إلى مصنع ما فتجد الجميع وقد اصطفوا وقت الصلاة ليسجدوا لله جماعة فتظن أننا فى عصر "النهضة" فإذا حظنا من النهضة هو أن ينهض المصلون من صلاتهم ليدخلوا إلى أماكن الإنتاج ليجلسوا دون عمل حيث يتشاغلون فيما لا يفيد ولا يجدى ثم "ينهضون" بعد ذلك إلى بيوتهم، وإذا نظرت إلى ما تنتجه مصانعنا الشامخة فسوف تجده من أسوأ المنتجات فى العالم، حتى المنتجات التى كنا نتباهى بها إذا بجودتها تتراجع حتى نصبح فى ذيل الأمم حيث سبقتنا دول كانت لا تعرف هذه الصناعات بالمرة!.
ونحن أمة الأمانة فضيعناها، وأمة "إقرأ باسم ربك " ومع ذلك تفشت فينا الأمية ، وهكذا دواليك، ألست ترى أننا يجب أن نغير حالنا؟ مصر تنتظرك يا صديقي فكن رجلا.


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية