"أيتها السماء.. صبي غضبك على الأغبياء"، لا أدري لماذا قفزت إلى ذاكرتي هذه المقولة الشهيرة للكوميديان المصري الراحل عبدالسلام النابلسي وأنا أتأمل الفوضى الهدامة التي أصابت الإعلام المصري وحولته عن مهنته المقدسة ورسالته العظيمة في تشكيل ثقافة ووجدان الشعوب، إلى آلة تدمير، وبوق للنفاق وارتكاب أعتى الموبقات تحت شعار "الحرية" التي بتنا نكرهها بدلاً من أن نستمتع بها.
فبنظرة سريعة على الحالة المشينة التي تعيشها الفضائيات ستكتشف أننا نعيش أزهى عصور النفاق و"الردح" بل و"الشرشحة" الإعلامية.. فما بين أبواق إعلامية مأجورة تجيد "التطبيل" و"التهييص" و"التهجيص" لمن يدفع أكثر أو لمن يشهر العصا الغليظة ستنفجر في وجهك قائمة لا حصر لها من أسماء بعض الدخلاء على الساحة الإعلامية الذين لا يجيدون سوى الأكل على كل الموائد.
أحد هذه الأبواق كان منذ أيام معدودة يصب اللعنات والشتائم على أمير قطر وينعته بأبشع الأوصاف وصلت إلى أن يسبه بلفظة "خنزير قطر" وسرعان ما تجده في اليوم التالي بعد الحديث عن مبادرة لم الشمل السعودية للمصالحة بين القاهرة والدوحة يلقبه بسمو الأمير تميم.
ولا عجب أيضاً أن تنتقل "الإعلامية" التي تسببت في أزمة دبلوماسية بين مصر والمغرب بسبب إهانة الشعب المغربي بوصفه أنه يعيش على "الدعارة" إلى فضائية أخرى تفتح أمامها الأبواب المغلقة لتمارس "رذيلتها" المعهودة في التلفظ بأفظع الشتائم والإهانات.
ولعله ليس من قبيل المصادفة أن تفاجأ وأنت تتابع إحدى هذه الفضائيات بإعلامي عجوز غير "مفيد" يتغزل في سحر عيون المذيعة لدرجة أنه صارحها بولعه الشديد بجمالها ولم يكن ينقصنا إلا تحديد موعد لقاء غرامي على الهواء مباشرة أو تطلب لهم 2 عصير ليمون.
وإذا شاهدت مذيعاً منتفخاً يفاجئ المشاهدين بحقيقة ربما هو وحده الذي اكتشفها تقول أن "الزوجات يطالبن أزواجهن في بداية الزواج بخلع البنطلون" فاعلم أن "أنت أكيد أكيد في مصر" .. ونفس ذات هذا الإعلامي "الأقرع" تجده يعترف بفشله قائلاً: "أنا مثلا نموذج، الرجل صاحب المحطة دي شافني مرة قاعد في حتة قالك الواد ده ينفع، قالوا له ده حيوان وميساويش حاجة، فقال هاصبر عليه شوية، فصبر عليا 17 سنة".. وطبعاً لا تعليق واللهم لا اعتراض.
أما إذا اخترقت أذنيك شتائم وبهدلة صاحب فضائية لمذيعيه ومذيعاته ونعتهم بألفاظ من عينة "بتستهبلي ولا بتستعبطي" واحتكاره تقديم كافة برامجها والظهور كضيف وحيد على الشاشة وكأنها "عزبة اللي جابوه" فتأكد أنك على أرض "الفراعين".
طبعاً هذه عينة بسيطة جداً من سجل مكتظ بكل ما لذ وطاب من الفضائح التي ابتليت بها ساحتنا الإعلامية والتي تفتح المجال لضرورة فحص القوى العقلية وصحيفة الحالة الجنائية لهؤلاء الدخلاء علي المجال الذين يُعتبرون سبباً رئيسياً في التدهور الحاد الذي أصاب المستوى الإعلامي لدرجة أوصلته إلى "الحضيض" وباتت مهمة الإعلام الانشغال بقضايا الراقصات وأخبارهم اليومية، عن القضايا الأساسية المتعلقة بموارد البلاد واحتياجات شعبها خلال السنين القادمة أو عن تقديم نماذج النجاح والتقدم في مختلف العلوم.
مكانة الإعلام وأهميته تبرز في تأثيره الكبير على توجهات الناس وآرائهم في الحياة، سواءً بالسلب أو الإيجاب، فوسائل الإعلام قادرة على فرض رأي أو توجّه معين بحسب توجهات وسياسة المؤسسة الإعلامية، ولكنَّ الحقيقة الثابتة أن وسائل الإعلام تحكمها أخلاقيات ومبادئ تفرض عليها أن تلتزم الموضوعية والمصداقية في نقل مختلف الأحداث الجارية في المجتمع، وحينها نستطيع أن نتوّجها بتاج السلطة الرابعة.
إنه لا يخفى على أحد الدور الذي يمارسه الإعلام في تنمية وتطوير فكر الشعوب، فهي إما أن تسمو بهم للقمة أو تحطُّ بهم إلى الحضيض، ويبقى فكر المجتمع مرهوناً بما يقدمه الإعلام ويضخُّهُ في عقول الأفراد.
ويتجلّى هذا التأثير في معرفة مدى وعي الشعوب من عدمه وهو ما يذكرنا بمقولة وزير إعلام هتلر، جوزيف جوبلز: "اعطني إعلاماً بلا ضمير أُعطيك شعباً بلا وعي"، فهذه إشارة إلى الدور الخطير الذي يلعبه الإعلام في تشكيل وعي وثقافة الشعوب وتنميتها.
فهذه المنظومة السحرية سلاح أخطر من الطائرات والدبابات والقنابل.. فأسلحة كل جيوش الدنيا لا تقوى على تدمير عقل أمة.. للجيوش مدى فى النيران، وسقف فى القتل والتدمير.. أما مدى "الشاشة" فيخترق الرأس دون أن ندرى.. وهذا مكمن الخطر في ضرورة الانتباه لهذا السلاح الذي إما أن يكون آلة بناء وإما أن يتحول إلى جرافة هدم.


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية