لماذا الحديث دائما في الأونة الأخيرة عن مصر وتونس، بينما سوريا تناضل حتى تنأى بنفسها عن المصير ذاته، كما أن هناك دولا أخرى تترقب ما يمكن أن تعكسه الأحداث الحالية عليها. سوريا نبتهل لها ألا تلقى المصير ذاته ولا يزال لدينا الأمل في أن يصحب التغيير فيها حياة ديمقراطية حقيقية. اليمن وليبيا وهما البلدان اللذان واكبا التغيرات في الفترة ذاتها يعتبرهما كافة المراقبين حالتان لهما من الخصوصية ما يجعلنا ننأى بأنفسنا بعيدا عن رصد الواقع فيهما. أما مصر وتونس، فعلى الرغم من أن البلدين لم تشهدا على حد علمي اتفاقيات شراكة كبرى أو تحالفات سياسية معروفة ترتقي إلى درجة الاتحاد. وعلى الرغم من أن الثقافة والتاريخ التونسيين شبه غائبين بالنسبة للمواطن المصري البسيط، بسبب عوامل كثيرة لا مجال لحصرها، غير أن قواسم مشتركة كثيرة وكبيرة قد شكلها المجتمع المدني في كلا البلدين، وذلك من خلال مشاركات مستمرة ما بين الجمعيات والمنظمات المعنية بحقوق الانسان والمرأة والديمقراطية في كلا البلدين. الأمر ليس كما يصوره البعض أن القاسم المشترك ما بين البلدين والهبتين أن الواحد قد تلت الأخرى، فالأمر يتعدى هذا بكثير. فتونس دائما بالنسبة لمصر هي الدولة المدنية ذات الحضور السياحي الكبير ومن ثم الأكثر انفتاحا في دول المنطقة، مثلها في ذلك إلى حد كبير مثل لبنان. ومصر دولة لها حضور لا مثيل له في قلب التونسيين الذين يشبون على فنها ومطربيها وأفلامها. إن السياسة والساسة لا علاقة لهما بالروابط التي تربط ما بين الشعبين، وربما هذا هو ما يجعل لكل منهما مكانة خاصة في القلوب، فالعلاقة بينهما ليست علاقة معاهدات أو اتفاقيات أو مصالح دول، بل هي علاقة عاطفية في المقام الأول تجمع بين البسطاء والمثقفين في البلدين. لهذا الوجع كبير ولا يمكن فصل ألمه في بلد عن الآخر. فاهتزاز شكل الدولة المدينة الحديثة في تونس هو اهتزاز لنظيرتها في مصر والعكس صحيح، فعين كل منهما على بلده والعين الأخرى على الآخر، والأمل واحد في كليهما ويتجسد فيما سوف تقدمه القوى الوطنية الحقيقية ومكونات المجتمع المدني في مصر وتونس من أجل الحفاظ على الهوية الوطنية لهما. منذ فترة ليست بالقصيرة وأنا أحاول رصد ما يقع في البلدين، ولا يمكنني بأي حال من الأحوال أن أحيل كافة الأحداث المتلاحقة بهما إلى المصادفة. هناك شيء ما يجمعنا شئنا أم أبينا، وحديثي هنا لا علاقة له بالاتحاد أو التكامل أو أي شعار مما تعودنا وشببنا على ترديده. لكني أتحدث عن شعبين نظرا في لحظات متشابهة ومتقاربة نحو نفس الحلم، وتراءى لهما أنهما قد اقتربا بشكل لا لبس فيه من تحقيقه، ثم تهاوى هذا الحلم وتصدع على صخرة الراغبين في الانفراد بالحكم وتمرير مشروع لا علاقة لكلا الشعبين به قريب أو بعيد. قد فعل بنا الحكام على مدى عقود طويلة ما فعلوا. وأتصور أن بعضنا قد وعي الدرس. فلماذا لا نتجه وجهة أخرى لا يكون للحاكم فيها دورا يذكر. لماذا لا نراهن على تفاهم الشعوب هذه المرة، وعلى أنفسنا وقدراتنا على تمييز من هو قريب منها ويشبهها ومن هو متنافر معها ولا تجمعه بها سوى جغرافيا المكان؟


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية