وصلت وحدة كوماندوز وهي عبارة عن (مجموعة من سرية تابعة لهيئة الأركان الإسرائيلية)، إلى الشواطئ التونسية يوم 15 أبريل 1988، لينضموا إلى وحدة قيساريا التابعة لجهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد)، ليتوزعوا في وقت لاحق على هيئة مجموعات لمداهمة فيلا ما في ضاحية سيدي بوسعيد بتونس لتصفية رجل يُشكّل خطرًا قائمًا على الكيان الصهيوني، وفي وقت متأخر من ليل يوم 16 أبريل 1988،

وفي الفيلا المذكورة قامت المجموعة بمداهمة الفيلا لتقضي في بادئ الأمر على حياة اثنين من أفراد الحراسة وعامل الحديقة، وفي تلك الأثناء سمعت الزوجة صوت جلبة في غرفة مكتب زوجها فهرولت مسرعة وعندما دخلت عليه وجدته يحمل مسدسه متجهًا نحو النافذة، وفي استنكار نهرها وطلب منها أن تتنحى جانبًا وتبتعد عنه لتبقى مع صغارها، وكيف لا وهو في مواجهة الموت ويجب أن يبقى أحد في مواجهة الحياة ليعتني بالأطفال فرزقهما الله سبحانه وتعالى بأربعة من الأولاد واثنتان من البنات، ولم يتجاوز عمر الصغير لديهما العامين ونصف العام.

 وفجأة يظهر أمام الزوج شخص يحمل مسدسًا ويضع على وجهه قناعًا، حاول الزوج أن يطلق عليه الرصاص من مسدسه إلا أنه لم يصبه، فأخذ الملثم بتفريغ مشط كامل من رشاشه في جسد الرجل فأرداه قتيلاً على الفور، ثم أتى رجل ثاني وفعل نفس الشيء، والزوجة في زهول ورعب معتبرة أن دورها سيحين في وقت لاحق، ثم أتى ثالث وفعل ما فعله الآخران، وعندما جاء رابع ليفعل نفس الشيء صرخت الزوجة محاربة خوفها ورعبها جراء المنظر ناطقة كفى.. كفى، لكنه لم يستجب لصرختها وأفرغ رشاشه في الجسد الذي أصبح مبدورًا بعشرت الرصاصات.

الكلمات السابقة لم تكن جزء من رواية ولا مشهد سينمائي أجنبي إنه مشهد واقعي من أحداث اغتيال الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي القائد الرمز خليل الوزير (أبو جهاد)، الذي جسد في شخصيته الكفاح الوطني الفلسطيني، وُلِدَ رحمه الله عام 1936 في مدينة الرملة، ومع احتلال الوطن عام 1948 نزح مع أسرته من مدينةإلى أخرى كغيره من الأسر الفلسطينية قهرًا بعيدًا عن مسقط رأسه، حتى وصل به الحال للاستقرار في مدينة غزة  وهو ابن الثامنة عشر.

بدأ "الوزير" العمل العسكري ضد الكيان الصهيوني عندما كان طالبًا في المرحلة الثانوية، وعمل على تشكيل الخلايا المسلحة في قطاع غزة، وأصبح بذلك من أحد الرواد الأوائل الذين أسسوا حركة فتح، وكذلك الجناح العسكري للحركة باسم "قوات العاصفة"، في الثمانينيات أصبحت مكانة أبي جهاد باعتباره الشخص رقم اثنين بعد الرئيس ياسر عرفات راسخة في المنظمة. فأصبح قائدًا للقوات العسكرية التابعة للمنظمة والعقل المفكر من وراء عدد لا يحصى من العمليات من بينها عملية فندق سافوي في تل أبيب عام 1975، وعملية الساحل عام 1978.

وبذلك أصبح المسئول الثالث للقطاع الغربي (الذي يعني الضفة الغربية وقطاع غزة وأيضًا الأرض المحتلة منذ عام 1948)، الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي، فقد سبقه إلى الشهادة كل من كمال عدوان - المسئول الأول للقطاع الغربي - الذي اغتيل مع رفيقيه كمال ناصر وأبو يوسف النجار في بيروت في العاشر من أبريل 1973، وماجد أبو شرار والذي شغل منصب مسئول القطاع الغربي أيضًا، والذي جرى اغتياله بمتفجرة زرعت في سريره في أحد الفنادق في روما في التاسع من أكتوبر عام 1981، حيث كان يشارك في فعاليات مؤتمر عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني جرى عقده في العاصمة الإيطالية.

واختار الكيان الصهيوني اغتيال الرجل الثاني لمنظمة التحرير الفلسطينية، أولاً: للتأثير على الانتفاضة الأولى -  التي تمر ذكراها في الثامن من ديسمبر الحالي - والذي كان "بداية الرصاص" كما كان يصفه الزعيم الراحل أبو عمار، فهو مهندس الانتفاضة الأولى التي أرعبت الإسرائيليين ونبهت الرأي العام العالمي إلى فداحة معاناة الشعب الفلسطيني، فتلك العملية إذن هدفت إلى هز معنويات الذين كانوا يديرونها ميدانيًا على اعتبار أن أبا جهاد هو المهندس والقائد الفعلي لها، لكونه قائد "القطاع الغربي"، وثانيًا: للرد على عملية استهدفت المفاعل النووي الإسرائيلي والذي كان قائدها والتي كادت تتحقق غايتها لو لم يقع المنفذون في خطأ "تكتيكي" كشف أمرهم للقوات الإسرائيلية.

والسؤال الآن لماذا سمحت الرقابة الإسرائيلية لصحيفة يديعوت أحرنوت بنشر تفاصيل عملية اغتيال أبي جهاد وإيضاح أن منفذ العملية هو ناحوم ليف الذي لقى حتفه في حادث سير عام 2000 في هذا الوقت بالتحديد؟؟ ليس هذا فحسب فقبل هذا بوقت قليل تداولت بعض المواقع الإلكترونية والصحف تصريحًا على لسان تسيبي لفني – وزيرة خارجية إسرائيل السابقة – تعلن فيه أنها مارست الجنس مع بعض من القادة العرب والقادة الفلسطينيين بهدف الحصول على معلومات هامة لخدمة دولة الكيان الصهيوني أليس في الأمر ريبة؟؟!!

أعتقد أن الكيان الصهيوني يهدف إلى تشكيك الشعوب العربية في قدرتهم على مواجهته خاصة بعد الربيع، فلا نتوقع أن يبقى الكيان الصهيوني مكتوف الأيدي أمام نهضة الشعوب العربية حتى يصل الأمر إلى محاربته وجهًا لوجه، لذلك أتت عملية التشكيك وكأن لسان حال الصهاينة يقول للشعوب العربية مهما كانت نهضتكم سيتم اختراقكم أما بالعمليات التي لا تحمل أي أدلة إدانة لنا،  بالتالي التلميح إلى أن تلك العمليات لا تتم إلا بمعاونة جهات عربية، وإما بالجنس، ففي كل الأحوال سيكون العرب مخترَقين.

بالإضافة إلى أن تلك المعلومات كُشف النقاب عنها قبل توقيت توجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس للأمم المتحدة لحصول فلسطين على دولة مراقب غير عضو بالأمم المتحدة، وهذا أدعى أن تكون هذه الحرب الإعلامية لمحاربة تلك الخطوة.

وفي الختام أتمنى أن يرى القارئ الصورة بشكل أعم وأشمل وأن يعي أن الكيان الصهيوني دائمًا ما يُكن لنا الشرور وأن الكشف عن أي معلومات مضى عليها سنوات لا يتم بمحض الصدفة وإنما لتحقيق هدف خفي، وأختم القول بهذه الأبيات:

لا تأسفن على غدر الزمان لطالما... رقصت على جثث الأسود كلابُ

لا تحسبن برقصها تعلو على أسيادها... تبقى الأسود أسودًا والكلاب كلاب

تبقى الأسود مخيفة في أسرها... حتى وإن نبحت عليها كلابُ

تموت الأسود في الغابات جوعًا... ولحم الضأن تأكله الكــلابُ

تحياتي - أماني الأسطل

amanyastal@gmail.com

 


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية