ونحن نتحدث اليوم عن تطبيق الشريعة الإسلامية، وهو مطلب جماهيري عريض، لا يجب أن نتجاهل ذلك المشروع العملاق الذي ظل حبيس أدراج مجلس الشعب طوال ثلاثين عاما، هي فترة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي أخزاه الله وأذله بعد عز، لأنه لم ينصر شريعة الله يوما من حكمه، بل أصر على أن يظل هذا المشروع وراء القضبان حتى لا يرى النور.
 
أتدرون أي مشروع أعني؟ أنه مشروع تقنين الشريعة الإسلامية، الذي وضع أسسه الرئيس السادات قبل رحيله بسنوات، وعاجله الأجل قبل أن يكتمل المشروع، ثم جاء من بعده هذا المخلوع فأصر على هدمه، وحبس ما تم منه حتى نسيه الناس في مصر، ولكن والله ما نسيناه بل ظل يتراءى  لنا في يقظتنا ومنامنا، حتى استنشقت مصر نسيم الحرية، وفك الشعب قيوده عبر ثورة مباركة قضت على مبارك وعصابته وقوضت أركان نظامه العتيد.
 
ولقد كتبت عن هذا المشروع عبر منبري هذا منذ فترة ، ولن أمل في الكتابة عنه مرات ومرات، حتى يخرج من محبسه ويتم إحياؤه من جديد على يد الرئيس مرسي وأركان نظامه، بحيث نبدأ مما انتهى منه الآخرون فيما يتعلق بتطبيق الشريعة، فنوفر على أنفسنا الكثير من الجهد والوقت.
 
فمنذ أربعة عقود وفي أواخر حكم السادات، أخذ الدكتور صوفي أبو طالب أثناء رئاسته لمجلس الشعب، وبعض المخلصون من أعضاء المجلس في تلك الفترة على عاتقهم مهمة مشروع تقنين الشريعة، وبتشجيع من السادات، وبالفعل تم إنجاز المشروع لعرضه على المجلس تمهيدا لتطبيقه، الا أنه تم تعطيله بعد رحيل السادات وسيطرة مبارك على الحكم، ووضع برمته في أدراج مجلس الشعب، وظل حتى يومنا هذا حبيسا لا يرى النور.
 
وفي أحد الحوارات الصحفية للدكتور صوفي قبل وفاته، اعترف الرجل بأن الرئيس الراحل أنور السادات، كان هو المحرك الحقيقي لمشروع تقنين الشريعة، الذي عملت فيه لجان مجلس الشعب في أواخر السبعينات، وانتهت منه تماما في أوائل الثمانينات.. وأكد أن السادات كان يعتزم تطبيقه بالفعل، فكان يحث اللجان على الانتهاء منه في أسرع وقت، ويطلب منها عدم الانتظار حتى يكتمل تقنين كل القوانين، واقترح مرة أن ندفع بما ننجزه أولا بأول إلى مجلس الشعب لأخذ الموافقة عليه تمهيداً لتطبيقه وسريانه في المنظومة القانونية. ولكن حادثة اغتيال السادات هي التي عطلت فعليا تطبيق قوانين الشريعة، فالمشروع بعد رحيل السادات ركن في أدراج مجلس الشعب بعد ذلك.. ولم يصدر قرار من القيادة السياسية لتفعيله مرة أخرى.
 
ولقد بدأ العمل الفعلي بمشروع التقنين عام 1978م، وقام المجلس بالاستعانة بصفوة من العلماء المتخصصين من الأزهر والقضاة وأساتذة كليات الحقوق وبعض الخبراء من المسلمين والمسيحيين، وقسموا العمل إلى لجان يرأس كل لجنة أحد أعضاء مجلس الشعب إلى جانب هؤلاء الخبراء. ومع حلول عام 1983 تم الانتهاء من جميع أعمال التقنين، وجرى طباعتها وعرضها على مجلس الشعب، وحظى المشروع بالموافقة عليه بالإجماع من أعضاء المجلس المسلمين والمسيحيين، ومضابط المجلس مازالت موجودة وتشير إلى مدى تحمس الجميع لتطبيق الشريعة.
 
وقد اعترف بوجود مشروع التقنين الدكتور رفعت المحجوب، وعندما سأل عن توقف المشروع في بدايات عهد مبارك، كانت إجابته أن الظروف السياسية والوضع العام لا يسمحان بذلك، وهذا معناه أن القيادة السياسية لا ترغب في تطبيق الشريعة، وظلت القوانين في أدراج المجلس حتى الآن منذ عام 1983م.
 
ومن الغريب أنه لم يقم أحد أعضاء المجلس بعد ذاك، وعبر ما يزيد عن ربع قرن، بتقديم طلب جديد أو اقتراح بقانون حتى تأخذ قوانين الشريعة دورتها ويتم المصادقة عليها من مجلس الشعب.. والأغرب من ذلك ، كما يقول الدكتور صوفي، أن كثيرين من الغيورين والراغبين في تطبيق الشريعة من أعضاء المجلس جاءوني، فقلت لهم تقدموا أنتم باقتراح بقانون، ونرى ماذا يفعلون، لكن أحدا منهم لم يتقدم.. والأشد غرابة أننا طبعنا آلاف النسخ من هذا التقنين.. وقمنا بتوزيعها على مكتبات الجامعات والمراكز البحثية ومكاتب أساتذة كليات الحقوق والقضاة العاملين بالمحاكم والصحافة وكبار الشخصيات، وكل من له اهتمام بالموضوع.. لكنها اختفت كلها بطريقة غامضة.
 
هذه حقائق نضعها اليوم أمام الرئيس مرسي لكي يعمل على بعث هذا المشروع من جديد، وأظن أن الرجل يطمح كما نطمح جميعا، في أن نحتكم الى شرع الله، وننقي قوانيننا مما يخالف الشريعة، حتى نحيا حياة آمنة مطمئنة، ننعم فيها بالأمن والاستقرار، والعزة والكرامة، فقد جربنا ضنك الحياة ويؤس العيش وذل البعد عن منهج الله، وغرقنا في بحر لجي من المشكلات والتحديات، من تخلف وضعف وتبعية وتفرق وفقر ومرض، ولا خروج لنا من كل هذا إلا بالعودة الصادقة إلى الله والاحتكام إلى منهجه وشريعته.
 
 a_abozied@hotmail.com
 


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية