إلى جانب الدعوة إلى التصالح مع رموز النظام السابق، توجه دعوة أخرى إلى القصاص منهم.. والحقيقة أنه إذا كان هناك شىء وحيد، يجب أن نكون على يقظة كاملة منه فى الحالتين معاً، حالة الرغبة فى التصالح، أو حالة الرغبة فى القصاص، فهذا الشىء الوحيد هو أن يكون القانون العادى العادل حاضراً فيهما سواء بسواء!

لا يجب أبداً أن نقع تحت تأثير الحماس، والهتاف، والتهديد، والوعيد، وضغوط الرأى العام، حين ندعو إلى القصاص، ولا يجب فى المقابل أن يجرى استدراجنا إلى فخ المقايضة، ونحن ندعو إلى التصالح.. والمقايضة هنا معناها أن مَنْ حصل على قطعة أرض ـ مثلاً ـ دون وجه حق، فإن عليه أن يردها إلى الدولة، وكفى الله المؤمنين شر القتال!

لا.. لا القصاص بهذا المعنى مطلوب، ولا المقايضة بهذا المعنى المشار إليه مطلوبة أيضاً، وإنما المطلوب فى كل الأحوال أن يكون القانون العادى العادل حاضراً وفاعلاً، وفوق الجميع، دون تفريط هنا فى حالة المقايضة، ولا إفراط هناك فى حالة القصاص.

لقد سمعنا دعوات فى مجلس الشعب السابق إلى أننا فى لحظة ثورية، بما يعنى تعطيل القانون، أو القفز فوقه، دون أن ينتبه أصحاب تلك الدعوات إلى أن ثورة يناير قامت فى الأساس من أجل إقرار القانون حين لاحظ الذين ثاروا أنه غائب، وبالتالى، فليس من المتصور أن تعمل الثورة على تعطيل الشىء الرئيسى الذى قامت بسببه، أو بسبب غيابه إذا شئنا الدقة فى التعبير.

تغييب القانون مسألة خطرة للغاية، سواء كان فى حالة التصالح، أو حالة القصاص، فكلتاهما لابد أن تكونا تحت مظلة القانون، ولا شىء غيره، ولابد هنا أن ندرك أن حضور القانون، بهذا المعنى، هو الوجه الآخر للإقرار بالشرعية من جانبنا جميعاً، أياً كان الذى سوف تأتى به هذه الشرعية.. إذا جاءت بالإخوان فأهلاً وسهلاً.. ولو جاءت بالسلفيين فأهلاً وسهلاً أيضاً وبالدرجة نفسها.. وهكذا.. وهكذا!

القانون العادى العادل للمرة الثالثة هو الملاذ، وهو الملجأ للمصريين، ولابد أن تغييبه بدعوى القصاص، تارة، أو حتى بدعوى التصالح، تارة أخرى، سوف يفسح الطريق للبلطجة التى لا تعنى فقط قطع الطريق من جانب اللصوص والمجرمين، وإنما تعنى ما هو أعلى وأشمل من ذلك، بدءاً باحتجاز المحافظ، أى محافظ، فى مكتبه، ومحاصرته، مروراً بالعربدة فى الشوارع، والطرق على حساب حقوق المواطنين المستقرة، وانتهاء بالتصرف فى الحياة اليومية إجمالاً، وكأن البلد بلا صاحب!

صاحب البلد هو القانون، وحضوره فى كل المواقف ليس ترفاً بأى صورة، وإنما ضرورة حتمية، وإلا فإننا يمكن أن نبحث عنه، حيث نحتاجه فى لحظة جد، فلا نجده!

 


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية