يبدو أن أمريكا مازالت تعيش فترة ما قبل الثورة المصرية المباركة، يوم أن كان النظام المصري البائد يخضع لها بالتبعية، ويتركها تأمر وتنهي وتوجه وتفرض سياستها على مصر، وتمارس وصايتها على الشعب المصري.

 

ويبدو أن الأمريكان وعلى رأسهم أوباما نسوا أو تناسوا أن الشعب المصري قد استيقظ من غفلته يوم 25 يناير 2011م، وبلغ سن الرشد، وقضى على النظام الفاسد الذي كان يخضع بالتبعية والعمالة لهم، وأن هذا الشعب الحر الأبي قد حرر نفسه وإرادته من فساد حكامه، ولم يعد في حاجة الى الوصاية من أحد، وأنه قادر باذن الله، على أن يقود بلاده الى بر الأمان دون وصاية أمريكا ولا معونتها، التي كانت تقدم بشروط قاسية يدفعها الشعب المصري من حريته وكرامته.

 

أقول هذا الكلام بعد عدة وقائع حدثت في الفترة الأخيرة، ألوم عليها الحكومة المصرية والمجلس العسكري، قبل أن ألوم أمريكا وأذنابها في مصر، وهي وقائع لا يقبلها الشعب المصري بأي حال من الأحوال.

 

الوقعة الأولى هي زيارة السفيرة الأمريكية في مصر "آن باترسون" للمستشار عبد المعز إبراهيم رئيس اللجنة العليا للانتخابات، في مقر اللجنة بدار القضاء العالي، بعد الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية، وعرضها تقديم مساعدات أمريكية للجنة لمساعدتها في دعم العملية الانتخابية، وهو ما رفضه رئيس اللجنة بالطبع، مؤكداً للسفيرة أنه لا يقبل أي مساعدات إلا عن طريق الحكومة المصرية. ولفت عبد المعز إلى أن السفيرة أخبرته بأن وفداً من الكونجرس زار اللجان الانتخابية، مشيرة إلى رضاها والإدارة الأمريكية عن مسار الجولة الأولى من الانتخابات في مصر...يا فرحتك ويا هناك يا شعب مصر، أمريكا وسفيرتها رضيت عنك وعن انتخاباتك!

 

هذا، والله، في رأي بجاحة وصفاقة أمريكية، وتدخل سافر في شئون مصر الداخلية، وإهانة لرئيس اللجنة ولمصر ولكل مصري، وكان يجب على المستشار عبد المعز إبراهيم أن يرفض هذه المقابلة من الأساس، لأنه لا معنى لهذه الزيارة إلا أنها محاولة لفرض الوصاية الأمريكية على مصر وعلى سير عملية الإصلاح الديمقراطي في بلادنا بعد الثورة.

 

وكان يجب على المستشار رئيس اللجنة أن يتمسك بموقفه القوي الشجاع الذي أعلنه في مؤتمر صحفي عالمي قبل بدء العملية الانتخابية بأيام، من أن الشعب المصري بلغ سن الرشد، ولا يحتاج إلى وصاية من أحد، وأن منظمات المجتمع المدني والمراسلين الأجانب، لهم فقط أن يتابعوا سير العملية الانتخابية، ولا يراقبوها، لأننا لسنا في حاجة إلى مراقبة من أحد، هذا كلام سمعته بأذني من رئيس اللجنة، وكنت أتمنى أن يظل على موقفه، ويرفض مقابلة سفيرة الشر الأمريكية في مصر، رفضا صريحا لا مواربة فيه، ولكن ما حدث أنه قابلها.

 

أما الواقعة الثانية، فتتعلق بالواقعة الأولى أيضا، وهو ما زاد الطين بلة، وذلك عندما سمح المجلس العسكري والحكومة المصرية واللجنة العليا للانتخابات بسفيرة الشر الأمريكية أيضا بأن تزور إحدى اللجان الانتخابية بالدقي بعد بدء التصويت في المرحلة الثانية من الانتخابات يوم الأربعاء،14 ديسمبر الماضي، وقد نشرت الصحف الخبر فذكرت أن السفيرة الأمريكية بالقاهرة تفقدت سير العملية الانتخابية فى المرحلة الثانية من انتخابات مجلس الشعب، حيث توجهت إلى لجنة مدرسة جمال عبد الناصر التجريبية بمنطقة الدقي، كى تهنئ المصريين على بنجاح الانتخابات بشكل غير مسبوق فى المرحلة الأولى.

 

وأكدت السفيرة الأمريكية أن بلادها ستعمل مع من يختاره الشعب المصري فى الانتخابات البرلمانية، مشيرا إلى أن أي حزب سيفوز، سيكون السبب الوحيد لفوزه، هي الديمقراطية فى اختيارات الشعب. ورحبت باترسون بسير العملية الانتخابية معربة عن تفاؤلها الشديد بنجاح المصريين فى إجراء الانتخابات دون أن يشوبها أى مشاكل أو خلافات، وقالت: إن هذه الانتخابات تجعل مصر تنضم إلى المجتمعات الديمقراطية في العالم أجمع".

 

كلام جميل، نقبله من السفيرة الأمريكية لو قالته وهي في مقر سفارتها، أما أن تتفقد العملية الانتخابية، وهي شأن مصري داخلي، فهذا ما نرفضه بشدة، فبأي صفة تزور إحدى لجان الانتخاب في مصر؟، وكيف يسمح لها بدخول اللجنة؟.. أليس في ذلك فرض لنوع من الوصاية الأمريكية على مصر، وهو ما يرفضه الشعب المصري بكل طوائفه؟، أليس ذلك تدخل سافر في شئون مصر الداخلية، والانتخابات بالطبع شأن مصري داخلي مائة في المائة؟.

 

واني أسأل المشير طنطاوي ورئيس اللجنة العليا للانتخابات، وأسأل السفيرة الأمريكية نفسها: هل يستطيع السفير المصري في أمريكا الذهاب الى إحدى اللجان الانتخابية هناك وتفقد سير العملية الانتخابية الأمريكية؟ أعتقد أنه لا يجرأ على ذلك، ولو عملها وذهب أعتقد أنه لن يسمح له بدخول اللجنة، فلماذا يحافظ الأمريكان على كرامتهم، ونعطي نحن الدنية في كرامتنا وعزتنا وحريتنا؟!

 

إن السفيرة الأمريكية في مصر، هي كأي سفيرة أو سفير لأي دولة في العالم، ليست مندوبة سامية أمريكية لدينا، وكان يجب عليها أن تحترم هذه الأرض التي تأويها، وتحترم شعبها الأبي العريق، هذا الشعب صاحب حضارة تمتد لآلاف السنين، كانت تشع على العالم كله قبل أن تظهر أمريكا إلى الوجود بقرون عديدة.

 

وعلينا نحن المصريين وقد قمنا بثورتنا المجيدة أن نحترم أنفسنا، ونفرض احترامنا على كل شعوب العالم، وعلى رأسها الشعب الأمريكي، ولا نقبل من احد أن يمس كرامتنا أو يفرض وصايته علينا، أو يتدخل في أي شأن من شئوننا الداخلية، وعلى قادتنا أن يعوا ذلك جيدا، فالشعب المصري لن يقبل أي تهاون أو تفريط من أحد في حقوقه وكرامته.

 a_abozied@hotmail.com

 


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية