ابن النيل العظيم، كطائر نورس يتبع ظله وفي فمه كلمة السر، وتحت جوانحه الأمنيات التي كان يحملها وهو يذوب اشتياقاً في صالة تحرير جريدة الاتحاد العريقة، يبحث عن ظل الكلمة يسأل عن أصل الغيمة، وفصول المطر يراوغ المكان بحنكة الأوفياء للمهنة، وفطنة النجباء ليبلغ ما شاع في الخاطر قبل أن تبلغ العبارة منتهاها وأقصاها، ترجل عادل القاضي، الصحفي الحصيف، وإنسان الحس الرهيف حاملاً في صدره قلبه الذي خذله ولم يستطع أن يكمل معه مشوار العمر والرجل في ريعان الشباب وعنفوان الذهاب الى الأعلى، وينوع الذاكرة التي حفظت كثيراً من نخوة الناس الطيبين، وبخاصة المخلصين ورحابة الصادقين، وكان الرجل كثير السؤال عن الموت وسره وخبره، وما يكمن في أصله وفصله ونسله وجزئه وكله، وكانت الدمعة قطرة الندى التي تشع بالبريق الأنيق فتغسل عشب الموكب بابتسامة هاشة باشة معشوشبة عن لجين ناصع ساطع بتلاوة الأشواق الغائرة المعبرة عن المعنى، الدالة على العاشقين للحياة دون تفريط في ثوابتها ومنابتها.

عادل القاضي بالأمس كان هنا، واليوم قد رحل ليترك الظل وأخلاق مثقف عربي نشأت أدبياته على حس «بلاد العرب أوطاني» يجعلنا نرسم الكلمات بتواضع لعلنا نستطيع أن نقترب ولو بالجزء اليسير من هذا الشامخ من قلوبنا، السامق عند جذور مصر الأبية، المقيم دوماً في ردهات جريدة الاتحاد رغم ابتعاد المسافة بعد أن سافر إلى أم الدنيا، ليقترب كثيراً من التي كانت تنتظره بأشواق الرؤوم التي لا تهنأ بالبعاد ولا يستقر لها حال بلا فلذة، هو قرة العين وثمرة الفؤاد.

عادل القاضي يغادر هواء مصر قبل أن تستبين ملامح المولود الجديد، وقبل أن يُفل قماط ما اشتهته مصر، وإرادة الشعب لتصبح أم الدنيا وجهاً آخر دون أن تقبلها عين الفتى الغر الذي كان يتنهد قائلاً “ربنا يحفظ مصر ويحميها من شر الأعداء يارب”.

وكنا نقول له متقلقش يا بيه، مصر هي مصر وستبقى مصر ولادة بالأوفياء جديرة بالنسل الطيب، وكان يتنهد ويبتسم ثم يرسل ضحكة مبهمة، ثم يشيح وكأنه يطارد كائناً خرافياً يحاول أن يصطاده لحماية مصر وترابها الحبيب.

عادل القاضي ترجل ليدعنا من بعده نقرأ تفاصيل ما قد يستجد، لأنه على يقين أن صرخة مصر مدوية تسمع كل من به صمم، وكل من فوقه التراب ومن تحته. رحم الله عادل القاضي وألهم محبيه الصبر.

علي أبو الريش | marafea@emi.ae

  جريدة الاتحاد


مواضيع مرتبطة

التعليقات


الاستفتاء

اعلان ممول


المواقع الإجتماعية

القائمة البريدية